"وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ" (رومية 8: 28) . . . . "فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ. فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا" (رومية 8: 17-18) . . . . "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا (يسوع) قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يوحنا 16: 33) . . . . "وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي (المسيح) فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي" (متى 10: 38).
لماذا يعاني الصالحون؟
أ) مقدمة
(عودة إلى قائمة المحتويات)
لا يستطيع أحد أن يتحاهل مشكلة أسباب آلام الصالحين! عاجلا أو آجلا، كل واحد منا يجد نفسه في أحد الأدوار في قصة أيوب البار، إما كضحية مأساة، أو كعضو في الأسرة، أو كصديق معزي. عاجلا أم آجلا، سوف تضني حياتنا الآلام الحادة للضيقات. لا تتغير الأسئلة أبدا. يستمر البحث عن إجابة مقنعة!
مشكلة أسباب آلام الصالحين حيرت عقل الإنسان لآلاف السنين، منذ سقوط الإنسان من حالة البراءة في جنة عدن. في حالته المُمجدة الأصلية في جنة عدن، لم يعاني الإنسان من المرض، أو الجوع، أو الحزن، أو الأوجاع، أو الموت. بدأت كل هذه الآلام بعد سقوط الإنسان! على الرغم من أن بعض الشدائد هي نتيجة مباشرة للخطيئة في حياة الإنسان، الكثير من الضيقات ليست نتيجة خطيئة، كما توضح المناقشة التالية. عندما تساءل تلاميذ السيد المسيح عن سبب محنة الرجل المولود أعمى، هل هي خطيئته أو خطيئة والديه؟ أكد لهم السيد المسيح أنه، في تلك الحالة، الخطيئة لم تسبب محنته (يوحنا 9: 3). لا يشير ثراء الإنسان أو محنته بالضرورة إلى الفضل أو الإستياء الإلهي. لا يُجازى الخير والشر دائما في هذه الحياة الحاضرة.
الكثير من البشر الأبرياء الخائفين الله الذين لم يرتكبوا خطايا عظيمة يعانون من الآلام والمحن في حياتهم. من ناحية أخرى، البعض الآخر الذي لا يتقي الله في حياته ويذهب وراء آلهة أخرى مثل المال، والمهنة، والشهرة، ... الخ يبدو أنه يزدهر وينجح وفقا للمعايير الدنيوية! ما يبدو أنه معاقبة الخير ومكافأة الشر يشكل حجر عثرة بالنسبة للكثيرين! إذ أنه يبدو بحسب الظاهر ظلما للأبرار. لماذا يسمح الله القدير القدوس بهذا الظلم الظاهري أن يحدث على الأرض؟ لماذا يسمح الله المُحب بالآلام والمحن والمصائب أن تصيب الشخص الصالح البار الذي يخافه، ويحاول قصارى جهده أن يفعل مشيئته ويرضيه؟
قبل أن نبدأ تحليلنا، من المهم أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أنه لا يوجد إنسان منذ سقوط آدم وحواء إلى يومنا هذا بلا خطيئة إلا ابن الإنسان "يسوع المسيح" (أيوب 15: 14-16؛ مزمور 14: 3؛ 143: 2). المقصود"بالشخص الصالح" في هذه الصفحة هو الشخص الذي يحب ويخاف الله ويحاول جادا أن يسير مع الرب ويرضيه (مزمور 14: 2-3؛ 51: 5؛ 53: 3؛ العبرانيين 4: 14-15).
هناك دائما غرض إلهي عالي بناء لمحن الصالحين. على الرغم من أن الصالح قد لا يعرف أسباب آلامه، فأنه يوجود تعليل لها! أسباب يعلنها الرب خلال أو بعد الشدائد قد لا تكون الحل النهائي وقد تترك عددا من الأسئلة بدون إجابة! أسئلة متعلقة بالأسباب الجذرية لسماح الله بطريق الشدائد لشخص معين، وبالاختيار الإلهي لوسائل معينة للشدائد المختلفة لا يتم الإجابة عليها في كثير من الأحيان. هذه المنطقة من الغموض هي أبعد عن مقدرة عقل الإنسان المحدود للتحليل والفهم! الإنسان هو مخلوق محدود. لا يمكنه أن يفهم الحكمة الغير محدودة لعقل خالقه (مزمور 146: 5)، وقصده الأعلى للعصور (إشعياء 55: 8-9). لا يمكن تحديد وحصر الله بحكمة وعقل ومنطق وقوانين ولغة الإنسان المحدودة! من الهام أن يتذكر الإنسان أنه ليس سوى ورقة يحركها الريح جيئة وذهابا وقشا يابسا (أيوب 13: 25)؛ كلب ميت أو برغوث (صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ 24: 14)؛ بخار وظل (مزمور 39: 5-6؛ 144: 4؛ يعقوب 4: 14)؛ الخ. هذا هو كون الله، وليس كون الإنسان (مزمور 24: 1؛ 50: 12؛ 89: 11-12). الإنسان، تاج خليقة الله، مجرد يعيش فيه. توفر الإيضاحات الإلهية حلا مؤقتا، يجد فيه قلب البار راحة حتى يحصل على الحل الكامل النهائي في المستقبل، إذا اختار العقل الإلهي أن يفعل ذلك لغرض المقدس!
ب) أغراض الآلام البشرية
(عودة إلى قائمة المحتويات)
الهدف الرئيسي لآلام الصالحين هو تنميتهم ونموهم الروحي. البحر الهادئ لا ينتج أبدا ملاحا ماهرا. لكن، لأن الرب يعمل بكفاءة عالية، يتم إنجاز أهداف إضافية من معاناة الصالحين. سوف نكتشف بعضا منها في مناقشتنا المختصرة في هذا المقال. نعلم من أمثلة الكتاب المقدس العديدة أن الأغراض المعروفة لآلام الصالحين تنقسم إلى فئات مختلفة نسردها فيما يلي. تعتمد بعض هذه الأهداف على الظروف الخاصة بمواقف معينة.
1. اختبار إيمان الإنسان وولائه وطاعته لله في الشدائد المختلفة [أيوب (أيوب 1-2)، وإبراهيم (تكوين 22)، ويوسف (تكوين 37-39)]. تُميز الضيقات والتجارب المؤمن الحقيقي من المزيف المدع (بطرس الأولى 1: 6-7).
2. تطوير ونضج إيمان وحكمة وشخصية المؤمن (إشعياء 48: 10). أراد الله أن يُخرج أيوب البار من بره الذاتي، وتبريره الذاتي، وحكمته الذاتية حتى يجد كماله في الله وحده (أيوب 40: 1-5). بواسطة شدائد وتجارب يوسف الصديق، نضج الفتى يوسف الذي دلله أبوه العجوز، فأصبح رجل الإيمان والرحمة والحكمة والمسؤولية (إرميا 18: 1-6).
3. إنتاج على ثمار الروح (غلاطية 5: 22-24؛ أمثال 15: 13؛ 20: 30) من المثابرة والصبر وطول الأناة والسلام وضبط النفس، الخ.
4. تقريب الصالحين الى الله بواسطة:
1.4. إختبار الله بطريقة أكثر مباشرة (أيوب 42: 5)، وزيادة الثقة به في الشدائد بصرف النظر عن أي تعليل (أيوب 13: 15)، وزيادة الإتكال على الله (كورنثوس الثانية 12: 9)؛
2.4. إزالة صنما (مثل أحد أفراد الأسرة، مهنة، ثروة، إلخ) من حياة الصالح الذي قد لا يدرك مدى قوة تعلقه به!؟ لعل أيوب البار قد ازداد تعلقا، وثقة، واعتمادا على أبنائه وثروته وصحته. من المؤكد أن إبراهيم ويعقوب أحبا كثيرا أبنيهما إسحاق و يوسف (تكوين 22: 2؛ 37: 3، 34-35). هذه التعلقات والارتباطات والولاءات الأرضية المتزايدة هي الاصنام المحتملة في حياة الصالح. إذا تُركت لحالها، ستنافس وستزاحم التزامه لله، وبذلك تصبح الآلهة الحقيقية التي تحكم حياته! لا يقبل الله المركز الثاني في حياة الشخص الصالح. يجب أن يكون الله هو الالتزام الأول والولاء الأسمى في حياة الصالحين. يجب أن يحتل الله مركز فكر وحياة الصالحين. يجب أن تخضع كل الآشياء في حياة الصالحين لإرادة الله (خروج 20: 3-5؛ تثنية 5: 7-9؛ لوقا 14: 26؛ متى 10: 37).
3.4. تصحيح مسار الصالحين. "قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ أَمَّا الآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ" (مزمور 119: 67). "الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ" (العبرانيين 12: 6).
5. منع الخطيئة، كما حدث في شدائد الملك حزقيا (الملوك الثاني 20: 1-21؛ 21: 1) وبولس الرسول (كورنثوس الثانية 12: 7-9).
1.6. تحقيق أهداف مختلفة هامة في تاريخ البشرية، مثل منع انتشار المجاعة وإنقاذ عدد كبير من البشر من الموت واليأس، كما أدرك يوسف الصديق سبب شدائده (التكوين 45: 5، 7-8؛ 50: 20).
2.6. حفظ وتقوية وحي الله وشهادته لبني إسرائيل بوجودهم في أرض مصر، حيث عانوا من العبودية والاضطهاد، ضد التأثير المدمر للممارسات الخاطئة الوثنية للعبادات الكنعانية القديمة لفترة طويلة (أكثر من أربعة قرون). كان هذا جزءا من عمل الله تجاه هدفه النهائي لفداء البشرية بواسطة الموت الكفاري لإبنه المتجسد على الصليب بعد أكثر من ثمانية عشر قرنا.
7. نشر وتقوية الإيمان بالمسيح لخلاص المزيد من النفوس. ويتجلى هذا بوضوح في معجزاته بفتح عيني الرجل المولود أعمى (يوحنا 9) الذي كان يعاني من العمى منذ ولادته، وبإقامة لعازر بعد أربعة أيام من موته (يوحنا 11: 45) بعد حزن شقيقتيه على فقدانه.
8. تقوية وحدة أعضاء الكنيسة المؤمنين. مواجهة مصاعب الحياة سويا يقرب أعضاء الكنيسة لبعضهم. "فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ" (كورنثوس الأولى 12: 26-27؛ كورنثوس الثانية 1: 3-4).
كل المذكورة أعلاه يؤدي إلى تمجيد الله القدير، الذي هو هدف وتسبيح كل الخليقة (أيوب 38-41؛ مزمور 8: 1-3؛ 19: 1-6، 29؛ 92: 5، 148؛ إشعياء 43: 7؛ يوحنا 11: 4؛ 9: 3).
قد يعرف الصالحون أسباب آلامهم وشدائدهم، كما حدث في شدائد يوسف الصديق، وإبراهيم، والرجل المولود أعمى، وأخوات لعازر، وبولس الرسول. أو قد لا يعرفوا أسباب شدائدهم كما حدث في شدائد أيوب البار والملك حزقيا.
ج) الله وآلام البشرية
(عودة إلى قائمة المحتويات)
يعتني الله بخليقته ويعولها (أيوب 38: 39-41). يهيمن الله القدير تماما على خليقته (أيوب 40: 15، 19؛ 41: 11؛ مزمور 24: 1؛ 93: 1-2؛ إشعياء 43: 13؛ 48: 13). كانت شدائد أيوب البار تحت سيطرة الله بالكامل. لقد قيد الله الشيطان في ما يمكن أن يفعله بأيوب (أيوب 1: 12؛ 2: 6). لا يتدخل الله باستمرار لمنع المآسي، لكنه يحكمها ويسود عليها حتى تحقق في نهاية المطاف أغراضه الإلهية.
لا يهمل الله الإنسان ويتخلى عنه في شدته. الروح القدس للإله الحي يقويه حتى يثابر ويتحمل وينتصر. الله موجود بطريقة لا يدركها الإنسان ويدعم المُتألم بشفقة. انه متعاطف كثيرا نحو المتألم في شدائده. معطي الحياة ساهر بصمت لخلاص المتألم، وقيامته. في نهاية المطاف، ينعم عليه بالحياة الأبدية. الله هو كلي المعرفة. هو صانع الخبرة. ليس من الضروري أن يشارك في التجربة والشدة شخصيا حتى يستطيع فهمها. لا يحتاج خالق المعرفة أن يحصل عليها بالخبرة كما يتعلم البشر.
إن الله عالم تماما بآلام وشدائد البشرية من خلال السيد المسيح، كاهننا الأعظم، الذي يحبنا بقلب بشري نستطيع أن نفهمه، والذي يشعر بآلامنا، ويحزن لمعاناتنا، لأننا متحدون به. نحن أعضاء جسده. يجعل الحب آلام الآخرين آلامه الشخصية. ينطبق هذا على حب الإنسان، وعلى الحب الإلهي الغير محدود. إذ أن الله يبالي كثيرا بآلام هذا العالم الساقط. لقد قيل بحق أن هناك صليبا في قلب الله قبل إقامة صليب السيد المسيح خارج القدس. وعلى الرغم من إزالة الصليب الخشبي، فأن الصليب ما زال قائما في قلب الله. إنه صليب الألم والإنتصار لمعاناة الصالحين المنتصرة.
يساند الله الإنسان المتألم. لا يتخلي الله عن الإنسان المتألم أبدا في وقت محنته وشدته رغم شعوره بالوحدة. في النهاية، يعطيه الله الحياة الأبدية كما أقام يسوع من بين الأموات. تحولت آلام الصليب إلى انتصار القيامة. الله محبة. هو مصدر الحياة. الله هو المحبة الواهبة للحياة. غالبا ما يكون الحب الإلهي ناريا مؤلما، لأن مرض الخطيئة الذي يعمل على شفاءه لا يمكن التغلب عليه إلا بالألم والموت. الله لا يخيب رجاء الذين وضعوا ثقتهم في ابنه الحبيب، يسوع الناصري، الذي أعلن أن محبة الله أقوى حتى من الموت. لقد أقام الله يسوع حيا بعد موت الصليب. القيامة هي أقوى دليل على الإيمان بأن الله سيمنح كلمة الحياة النهائية. سوف تكون نهاية المتألم الصالح بالتأكيد الحياة الأبدية، لأن الله أمين لأحبائه—ألئك الذين يدعوهم مختاريه.
من المهم ألا نغفل عن حقيقة أنه بعد معاناة الشخص الصالح، الذين يستمر في جهاده الروحي ولا يتمرد على الرب، توجد رفعة مجيدة (إشعياء 3: 10-11؛ مزمور 92: 12-14؛ رومية 28: 18). كلمات رومية 8: 28 توضح هذا المفهوم بشكل واضح جدا، "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ." على الرغم من أن بعض المكافآت قد تكون مادية، لا يصلي الصالحون لهذا النوع من المكافأة، لأن الله لا يستحسن ولا يريد مرتزقة، كما نتعلم من سفر أيوب البار. المكافأة النهائية التي يرغبها الصالحون هي نمو في معرفة الرب، وحياة شركة وثيقة معه.
أثنى الله على تقوى أيوب البار وأعطاه اعتبارا خاصا بوصفه انه "خادمه" (أيوب 1: 8؛ 2: 3). كان الله فخورا بأيوب البار. مرتين حارب مع أيوب ضد تحدي الشيطان الجدي، وفاز مرتين، وتمجد مرتين (أيوب 2: 10). يفتخر الله بعباده الصالحين عند اجتيازهم اختبار الآلام والشدائد. في الواقع، يتباهى بهم وبنجاحهم الروحي في الشدائد (أيوب 2: 3). مما لا شك فيه، يفرح الجند السماوي بنجاحهم.
من البديع أن الله الابن قد بين لنا كيف أنه هو نفسه يعاني معنا في الطبيعة البشرية ليسوع. انه لا يطالبنا باحتمال ما لم يحتمله شخصيا. لقد وُلد للآلام والموت لفداء البشرية؛ وُلد للأمجاد الأبدية في السماء. لقد أظهر صلب ربنا يسوع المسيح وأثبت مدى التزام الابن بطاعة الآب. كذلك يُظهر صليب الصالح مدى التزامه وطاعته ومحبته للرب. يكرس الشخص الصالح حياته لخدمة الرب. لكن اختبار الولاء والإيمان الحقيقي هو اختبار آلام التجارب والمحن. ما وعد الرب أبدا المؤمن الصالح بطريق سهل مفروش بالورود في هذا العصر. على العكس من ذلك، لقد ذكره بالضيقات والمصاعب التي تنتظره على هذه الأرض. قال السيد المسيح: "... فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يوحنا 16: 33). "وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي" (متى 10: 38).
ومع ذلك، فإن شدائد ومحن الشخص الصالح لا تزعجه ولا تُكدر سلامه الداخلي لأنه يستريح في الرب ويثق في إرادته الإلهية: "عَلَى الرَّبِّ تَوَكَّلْتُ ..." (مزمور 11: 1)؛ "... (الرَّبِّ) تُرْسٌ هُوَ لِجَمِيعِ الْمُحْتَمِينَ بِهِ" (مزمور 18: 30)؛ "كَثِيرَةٌ هِيَ بَلاَيَا الصِّدِّيقِ وَمِنْ جَمِيعِهَا يُنَجِّيهِ الرَّبُّ" (مزمور 34: 19)؛ "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحَتَّى شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. فَلاَ تَخَافُوا. أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ" (متى 10: 30-31؛ أيوب 13: 15؛ مزمور 66: 10-12؛ 37: 3-7؛ 118: 18؛ 119: 75؛ أشعياء 12: 2؛ 66: 13).
د) موقف الإنسان من آلامه
(عودة إلى قائمة المحتويات)
اختبار المحن والآلالم هو الاختبار النهائي للإيمان. ينبغي علينا جميعا أن ننجح فيه، كما علمنا السيد المسيح قائلا: "وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً" (لوقا 14: 27). مكان الحن هو مكان وحيد موحش. لا يحصل التلميذ على مساعدة في أداء اختباره. علينا أن نتذكر العذاب والوحدة التي عانى منها إبراهيم عندما كان يقدم ابنه إسحاق، ابن الموعد، ذبيحة للرب كما أمره. علينا أن نتذكر عذاب يوسف الصديق لمدة 13 عاما في العبودية والسجن رغم براءته في أرض غريبة بعيدا عن أسرته وأصدقائه. نتذكر الوحدة المريرة التي عانى منها يسوع على الصليب بحسب بشريته حيث صرخ نيابة عنا قائلا: "... إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" (متى 27: 46). لكن، بحسب لاهوته، فهو دائما في صحبة الآب. على الصليب، لم يستسلم يسوع لليأس بسبب مشاعره البشرية بالوحدة والتخلي. واصل الصلاة إلى الله الآب حتى آخر لحظة في حياته الأرضية، "وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ" (لوقا 23: 46).
هل من العدل أن يتألم الصالحون؟ إذا إقتصرت حياة الإنسان على هذا العصر فقط وانتهت بموته الجسدي، فإن تألم الصالحين ليس من العدل. لكن إذا أضفنا الحياة الأبدية إلى الإعتبار، نعم، فمن الإنصاف تألم الصالح، لأنه سوف يحصل على ثواب متناسب مع معاناته (لوقا 16: 25؛ كورنثوس الأولى 15: 19-23). يعد الله بالنهاية الآمنة، وليس بالرحلة الهادئة. وُلد الصالحون للآلام وللموت وللأمجاد الأبدية في السماء. على الرغم من أن هناك العديد من الاختلافات بين آلام الأرض والجحيم الأبدي، فارق واحد هام يبرز. إنه انتشار الرجاء في معاناة الصالحين على الأرض، وعدم وجوده في الجحيم الأبدي حيث يتسلط اليأس. رجاء الصالحين وتوقعاتهم هي المجد والنعيم الأبدي مع المسيح في ملكوت السماوات. معاناة الساقطين في الأبدية هي طريق مسدود. هي ظلام دامس دون ضوء في نهاية النفق.
إجابة الإيمان العاجلة لاختبار الشدائد والآلام هو "الثقة في الرب." "تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ لأَنَّ فِي الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ" (إشعياء 26: 4؛ مزمور 4: 5؛ 37: 3، 5؛ 40: 3؛ 62: 8؛ بطرس الأولى 5: 7؛ الخ). في خضم آلام وشدائد الصالح الطويلة، من الهام أن يتذكر دائما هذه المبادئ الأساسية الثلاثة التي تبقيه على مقربة من السيد المسيح ربنا: ثق في حبه غير المشروط الانهائي الذي اقتاده إلى صليب الألم والعار من أجلنا؛ ثق في حكمته اللانهائية؛ وثق في مقدرته الانهائية. "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ" (رومية 8: 28). الأهم من اختبار الألم هو كيف نواجهه ونتعامل معه ونرد عليه. المؤمن يشعر بالألم والحزن في ضيقته، ولكنه لن ييأس أبدا. الصفاء ليس عدم وجود العاصفة، ولكن السلام وسط العاصفة. إجابة الإيمان لتجربة الآلام هو: "نحن على ثقة كاملة بأبينا السماوي مهما حدث، كما يثق الطفل بأبيه الأرضي في جميع المواقف. سوف نسير مع المسيح حتى إلى الصليب إذا لزم الأمر." لدينا التأكيدات بأن المسيح يرافقنا ويدعمنا في رحلتنا الأرضية.
ختاما، نصلي كما صلى يسوع ابن الإنسان عشية صلبه في حديقة جثسيماني، بروح التواضع الكامل والطاعة والخضوع لمشيئة الآب قائلا: "... يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ" (متى 26: 42). لم يستجب الله الآب لطلبة يسوع في صلاته. وذهب يسوع إلى الصليب. لكن تدفقت قوة هائلة من صليبه منذ ذلك الحين. لقد غير صليبه وجه الأرض ووجه الأبدية بطريقة جوهرية لا رجعة فيها، ومجد الرب يسوع المسيح في السماء وعلى الأرض إلى الأبد. بعد موته المؤلم المهين على الصليب، انتصر وتمجد الرب بقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، وتغيير حياة، وخلاص نفوس كثير من البشر من الظلام والعذاب الأبدي عبر قرون من الزمان—بشر لم يكن لهم أي أمل في الخلاص والإستنارة والنضج الروحي بدونه. لقد فتح موت السيد المسيح الطريق الذي يقود إلى السماء، وشفى الطبيعة البشرية الساقطة، وفتح أبواب الفردوس الأبدية، وأرسل الروح القدس لتقديس المؤمنين. الحياة في ظل الصليب تُمكن المؤمن من إدراك محبة الله وفضله في هذا العصر الشرير. "فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ. فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا" (رومية 8: 17-18).