الحضارة الإسلامية؟
قائمة المُحتويات:
( أ ) مقدمة
(ب) الحضارات القديمة
(1) الحضارة المصرية القديمة
(2) الحضارة اليونانية القديمة
(3) الحضارة الرومانية
(ج) الجزيرة العربية قبل الاسلام
(د) الحضارة الأوروبية في القرنين الخامس والسادس
(ه) الحضارة الإسلامية
(1) الثقافة الإسلامية
(2) مشكلة المنطق العلمي في الإسلام
(3) العلم والفلسفة في الإمبراطورية الإسلامية
(4) إستنتاج علم الآثار
(و) نهاية الحضارة الكلاسيكية في أوروبا
(ز) إستنتاج
آيات للتأمل من الكتاب المقدس:
"تَرَاءَى لِي الرَّبُّ مِنْ بَعِيدٍ، قائلا: وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ" (إرْمِيَا 31: 3)؛ "لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلَهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي" (إِشَعْيَاءَ 41: 10)؛ "عَرِّفْنِي يَا رَبُّ نِهَايَتِي وَمِقْدَارَ أَيَّامِي كَمْ هِيَ فَأَعْلَمَ كَيْفَ أَنَا زَائِلٌ. هُوَذَا جَعَلْتَ أَيَّامِي أَشْبَاراً وَعُمْرِي كَلاَ شَيْءَ قُدَّامَكَ. إِنَّمَا نَفْخَةً كُلُّ إِنْسَانٍ قَدْ جُعِلَ" (المَزَامير 39: 4-5)؛ "فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ" (غَلاَطِيَّةَ 6: 9)
( أ ) مقدمة
من المهم أن نؤكد الحقيقة تاريخية أن قيام حضارة عظيمة لا يشير إلى موافقة إلهية على أيديولوجياتها وأديانها. كل الحضارات القديمة العظيمة، مثل المصرية والبابلية والفارسية والهندوسية واليونانية الرومانية، كانت مؤسسة على ديانات وثنية تعبد الأصنام. كانت الإمبراطورية الرومانية وثنية، واضطهدت المسيحية حتى مرسوم ميلانو عام 313 م. في هذا الصدد، إننا بحاجة إلى أن نتذكر التدهور الطويل للعالم الإسلامي على مدى التسعة قرون الماضية بدون نهاية في الأفق، مما يمثل تحديا جديا لإدعائات التفوق الإسلامي. في الواقع، من الخطأ تسمية حضارة الإمبراطورية الإسلامية "الحضارة الإسلامية" لأن الكثير من علمائها البارزين كانوا مسيحيين ويهود ووثنيين.
يدعي البعض أن الحضارة الكلاسيكية للإمبراطورية الرومانية الغربية انتهت بعد الغزوات الألمانية والآسيوية الهمجية في القرن الخامس الميلادي، وأن القيادة المتعصبة للكنيسة الرومانية الكاثوليكية أكملت العمل المدمر للبرابرة الغزاة. بدأ هذا العصور الوسطى المظلمة في أوروبا، التي انتهت بعصر النهضة الذي بدأ في حوالي منتصف القرن الخامس عشر.
يبين التحليل التالي أن هذا المفهوم للماضي غير صحيح تاريخيا. الواقع التاريخي هو أنه عندما وصلت الجيوش العربية الإسلامية اسبانيا وجنوب إيطاليا في القرنين الثامن والتاسع، وجدوا حضارة لاتينية متقدمة للغاية متميزة بالمدن والزراعة والفن والأدب يحكمها ملوك قوطيون متأثرون بالحضارة الرومانية والبيزنطية. لم يدمر البرابرة الذين احتلوا أوروبا الغربية في القرن الخامس الحضارة الكلاسيكية. تبنوها بسرعة بعد فترة قصيرة من الإضطراب، وشاركوا في فوائدها وثمارها. لقد تم إصلاح معظم الأضرار الناجمة عن غزوات القرن الخامس قبل عام 500 م، وازدهرت الفنون والعلوم. حافظوا على الحضارة الرومانية، وساهموا في تقدمها في مجالات الفن، والقانون، والهندسة المعمارية، والعلم.
لكن بنهاية القرن السابع، إنتهت فجأة هذه الحضارة الكلاسيكية المزدهرة. فلقد بدأت العصور الوسطى المظلمة. تدهورت المدن؛ كسدت التجارة؛ تدهورت الفنون؛ سادت الأمية؛ وساد النظام الإقطاعي مفتتا ممالك أوروبا الغربية. لم تُنقذ القوة العربية الإسلامية الحضارة الغربية. بل على العكس من ذلك، أدت إلى تدهورها ونهايتها. منعت القوة العربية الإسلامية الملاحة التجارية في البحر الأبيض المتوسط من منتصف القرن السابع. إمتلأ البحر من القراصنة العرب الإسلاميين. توقفت التجارة الأوروبية مع الشرق الأوسط والشرق الأقصى. فقد ملوك أوروبا الكثير من سلطتهم لاضمحلال إيرادهم من الضرائب. توقف تدفق الورق البردي من مصر إلى أوروبا. لقد دعم الورق البردي الحياة الاقتصادية والثقافية لأوروبا لعدة قرون. كان لهذا تأثير كبير على مستويات التعليم في أوروبا الغربية.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت الحروب الإسلامية العدوانية المستمرة. أصبحت الأمم المسيحية الأوروبية تحت هجوم متواصل من الشرق والجنوب بالجيوش الإسلامية التي قامت بالنهب والتدمير والإحتلال. كما تعرضت لهجامت الفايكنج البربرية من الشمال بدافع الحصول على الثروة من تزويد أسواق الرق الإسلامية في أسبانيا وشمال أفريقيا والشام بالعبيد البيض. أدت هذه المصاعب إلى إفقار أوروبا وتقوية الروح العسكرية بها. كما أدت القرصنة الإسلامية المستمرة إلى ظهور أمراء حرب محليين لحماية السكان المحليين. أضعف ذلك سلطة الحكومات المركزية.
يقدم التحليل التاريخي التالي أمثلة من الحضارات الوثنية القديمة العظيمة، ويوضح الوضع الحضاري للجزيرة العربية قبل الإسلام، والحضارة الأوروبية في القرنين الخامس والسادس قبل ظهور الإسلام. ثم ينتقل إلى تقديم تحليلا للحضارة الإسلامية، والظروف التي أدت إلى نهاية الحضارة الكلاسيكية في أوروبا.
(ب) الحضارات القديمة
(1) الحضارة المصرية القديمة
الحضارة المصرية القديمة هي من أعظم الحضارات القديمة في فجر التاريخ البشري. لقد استمرت أكثر من ثلاثة آلاف سنة. تركت للأجيال القادمة تراثا وإنجازاتا كبرى: أهرامات الجيزة، وأبو الهول، ومعبد الكرنك الضخم في طيبة، ومعبد أبو سمبل الصخري الهائل، والتماثيل الضخمة، والمنحوتات الصغيرة، وزخارف جدران القبور، والمجوهرات، إلخ. أنتجت المؤلفات الدينية، والشعر، والقصص القصيرة، والتاريخ، والأعمال الرياضية والفلكية الابتدائية.
أثرت الحضارة المصرية القديمة في الفن اليهودي واليوناني، وأدت إلى تقدم المهارات العملية في مجالات البناء، ومساحة الأراضي، والمحاسبة، وصناعات المعادن، والمنسوجات، والفخار، والتحنيط. كانت مهد الطب الحديث. كانت الديانات المصرية القديمة تؤمن بتعدد الآلهة. دعوا إلى عبادة عدة آلهة وثنية، مثل إله الشمس آمون، وأوزوريس (ديان الموتى)، وأخته إيزيس، إلخ. لكن آمن الفرعون أخناتون (1375-1358 ق.م.) بالتوحيد. انه بشر بدين آتون، إله الشمس الواحد. ركزت الديانات المصرية القديمة على الحياة الأخرى في الأبدية.
(2) الحضارة اليونانية القديمة
يبدأ تاريخ أوروبا والحضارة الغربية باليونانيين والإغريق. يعود تاريخ الحضارة اليونانية إلى حوالي القرن السابع عشر قبل الميلاد (ق.م.). وقد حققت تقدما كبيرا من القرن السادس إلى القرن الرابع قبل الميلاد. وصلت إلى مرحلة نضجها وعصرها الذهبي في القرن الخامس قبل الميلاد. تركت تراثا غنيا في مجال العمارة والنحت على الاكروبول في أثينا (معبد البارثينون، إلخ)، وفي مناطق دلفي، وأولمبيا، وكورنثس، إلخ. المعابد اليونانية هي نماذج للجمال والتناسب. ملاحم الإلياذة والأوديسة لهوميروس تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد. مسرحيات الكوميديا والدراما اليونانية، أول مسرحيات في التاريخ الغربي، نشأت في الاحتفالات الدينية المحلية في القرن السادس قبل الميلاد.
ساهم كثير من العلماء والأدباء البارزين في تقدم الحضارة اليونانية القديمة، مثل: أبقراط في الطب، فيثاغورس في علم الرياضة، وديموقريطس في الفيزياء، الخ. اخترع اليونانيون الفلسفة. كان سقراط أقدم فلاسفتهم (469-399 ق.م.)، يليه أفلاطون (427-347 ق.م.)، وأرسطو (384-322 ق.م.). وضع أرسطو أسس التقدم في المستقبل في العديد من التخصصات، بما في ذلك البيولوجيا، والمنطق، والنقد الأدبي، والنظرية السياسية، والأخلاق. بدأت ممارسة الديمقراطية للمرة الأولى في التاريخ في مدينة أثينا في أواخر القرن السادس قبل الميلاد. الالعاب الرياضية الاولمبية هي مهرجان عالمي رياضي مُستلهم من المهرجان اليوناني الرياضي القديم الذي اعتادوا الإحتفال به في أولمبيا حتى 393م. أولمبيا هي موقع أهم معبد للإله اليوناني القديم زيوس. بدأت دورة الالعاب الاولمبية الحديثة عام 1896 في أثينا.
كانت ديانات العالم اليوناني القديم تدعوا إلى عبادة العديد من الآلهة. كان أهم الآلهة هم إله السماء زيوس (حاكم أوليمبوس)، وزوجته هيرا (إلهة الزواج)، والإلهة العذراء أثينا (العلم والفنون)، وأبولو وأخته أرتميس (الشمس والقمر)، وأفروديت (الحب والجمال)، وآريس (الحرب)، إلخ. كان معبد أبولو في دلفي مُبجلا في جميع أنحاء العالم اليوناني القديم. على عكس تركيز الديانات المصرية القديمة على الحياة الأخرى، لم تحتوي الأديان اليونانية على مفهوم الحياة الأخري.
(3) الحضارة الرومانية
إستمرت الإمبراطورية الرومانية (بما في ذلك الإمبراطورية البيزنطة في الشرق) أكثر من 1500 سنة. لم تمت الحضارة الرومانية في الغرب أبدا. اللاتينية، لغة روما، هي الأصل المباشر للغات الإيطالية والأسبانية والبرتغالية والرومانية والفرنسية. نقلت الحضارة الرومانية إلى الثقافات الأخرى الثقافات اليونانية والشرقية القديمة. حافظ النظام السياسي الروماني في منطقة البحر الأبيض المتوسط على هذه الثقافات الثمينة من الضياع. القانون الروماني، الذي قننه الامبراطور جستنيان في القرن السادس الميلادي، شكل أساس النظم القانونية في معظم البلدان الأوروبية، وخاصة الدول اللاتينية ايطاليا وفرنسا واسبانيا والبرتغال وجمهوريات أمريكا اللاتينية.
حققت الحضارة الرومانية تقدما كبيرا في الطب (الجراحة، والمستشفيات، الخ). قام الرومان ببناء شبكة ممتدة من الطرق في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية الشاسعة مستخدمين الأسمنت والحجارة الكبيرة. كانت أفضل الطرق الرومانية مرصوفة بالحجارة ويبلغ عرضها عشرة إلى عشرين قدما، وعمق أساسها عدة أقدام. لا يزال عدد منهم صالحا للاستخدام حتى يومنا هذا. تتميز المباني الرومانية بحجمها الكبير (المدرج الكبير في روما، المدعو الكولوسيوم، الذي تم بنائه في 80 م)، واستخدام القوس المستدير، وسقف القبة (البانثيون في روما). شُيدت القلعة الرومانية لمعبد جوبيتر الكبير في بعلبك بلبنان من الحجارة الضخمة التي تزن كلا منها 800-1000 طن—هي أكبر حجارة منحوتة باليد في تاريخ البشرية.
بلغ الأدب اللاتيني عصره الذهبي في عهد أوغسطس أول إمبراطور روماني (27 ق.م.-14 م.). من أشهر أدبائه فيرجل (70-19 ق.م.)، هوراس (65-8 ق.م.)، وأوفيد (43 ق.م.-17 م.). تلاه العصر الفضي الذي استمر خلال النصف الأول للقرن الثاني الميلادي. من كتابه المتميزين جوفينال، تاسيتوس (أعظم مؤرخ روماني، 55-117 م)، وبليني، الخ.
كانت أديان الإمبراطورية الرومانية تدعوا إلى تعدد الآلهة حتى القرن الرابع الميلادي. آمنت بالعديد من الأساطير اليونانية، وعرّفت الآلهة الرومانية بآلهة اليونان القديمة. أصبح الإله اليوناني زيوس إلإله الروماني جوبيتر؛ وهيرا اليونانية، جونو الرومانية؛ وآريس، مارس؛ وأفروديت، فينوس؛ وأثينا، مينرفا؛ إلخ. إضطهدت الإمبراطورية الرومانية المسيحية حتى مرسوم ميلانو في 313 م. انتصرت المسيحية وأصبحت الدين الرسمي للإمبراطورية في القرن الرابع الميلادي.
(ج) الجزيرة العربية قبل الاسلام
برع عرب الجاهلية في مجال الشعر فقط. كان حب البدوي للشعر هو ثروته الثقافية الوحيدة. تم تأليف أقدم قطع من الشعر نحو مائة وثلاثين سنة قبل الهجرة الإسلامية (622). تم ترديد القصائد الأولى من الذاكرة، وانتقلت شفويا عبر الأجيال حتى تم تسجيلها أخيرا كتابيا في القرنين الثاني والثالث بعد الهجرة. شاعر الجاهلية امرؤ القيس (ت. 540) من كندة هو الشاعر الأكثر شهرة من تلك الفترة. ذلك الشعر ليست به أفكار أصلية جديدة، ويفتقر إلى جاذبية واسعة. أفقه محلي ومحدود. يفقد قيمته إذا تُرجم إلى لغة أجنبية.
سُميت أشهر القصائد بالقصائد الذهبية. وكان من عادة الشعراء والأدباء أن يعلقوا مؤلفاتهم على الكعبة في مكة حتى يقرؤها ويتلوها الناس. لهذا سُميت هذه المؤلفات بالمعلقات. وفقا لأسطورة قديمة، مُنحت كل من هذه القصائد الجائزة السنوية في احتفال مدينة عكاظ (بين نخلة والطائف في الحجاز)، وكُتبت بأحرف من الذهب وعُلقت على جدران الكعبة في مكة. كان الشاعر ليس فقط المرشد، والخطيب، والمتحدث باسم طائفته، ولكن أيضا مؤرخها وعالمها.
لم يكن لعرب الجاهلية أساطير دينية، ولاهوتيات، وعلم عن نظام الكون والكائنات مماثل لذلك الذي للبابليين. كان دين البدو، مثل غيره من الأديان البدائية، يدعو إلى عبادة مخلوقات الطبيعة. تركزت معتقدات البدو النجمية على القمر، الذي في ضوئه رعوا مواشيهم. كانت معابد اللات والعُزّى ومنات، بنات إله القمر الوثني الأعلى لقبيلة قريش ولشبه الجزيرة العربية في وقت محمد، في الحجاز الذي أصبح فيما بعد مهد الإسلام.
كان إله القمر الوثني )الله) الإله الرئيسي في مكة. لكنه لم يكن الإله الوحيد. تم العثور على إسمه في نقوش من القرن الخامس قبل الميلاد. كما يوجد في نقوش مسيحية عربية تعود إلى القرن السادس في سوريا. من الواضح أنه كان الإله الأعلى لقريش، قبيلة محمد.
(د) الحضارة الأوروبية في القرنين الخامس والسادس
تراجعت الحضارة الرومانية منذ بداية القرن الثالث مع انخفاض حاد في عدد السكان في المناطق الغربية للإمبراطورية الرومانية. شهد أواخر القرن الخامس نهاية هذا التدهور وتحوله إلى ازدهار بفضل تأثير المسيحية، إذ توسعت مدن ونشطت التجارة.
بحلول نهاية القرن الخامس الميلادي، كان يحكم كل أراضي الإمبراطورية الرومانية الغربية ملوك قبائل همجية: القوط الشرقيون في إيطاليا، والوندال في شمال أفريقيا، القوط الغربيون في أسبانيا وبلاد الغال (فرنسا)، والفرنجة في شمال بلاد الغال، إلخ. إحتفظ القوط الشرقيون بنظام الحكومة الرومانية بأكمله، بما في ذلك الإدارة، ومجلس الشيوخ، والسلطة القضائية. كما استمر النظام الروماني للحكم في أراضي القوط الغربيين والوندال. كانت الادارة كلها علمانية. لم يشغل رجال الدين مناصب حكومية. لم يعتمد الملوك على الكنيسة لشرعيتهم. ظلت الحياة الثقافية في أوربا الغربية بدون تغيير طوال القرنين الخامس والسادس. في هذه الحقبة، شهدت أوروبا ابتكارات فنية وعلمية هامة، وتقدمت الدراسات والبحوث العلمية. وأدخلت أساليب جديدة في العمل الزراعي وتصنيع المعادن. كما ازداد بناء الكنائس إلى حد كبير. على الرغم من أن الكنيسة كانت تحظى باحترام كبير، لم تكن جزءا من الحكومة. كانت السلطة السياسية للملوك مدنية بحتة.
إعتبر ملوك القبائل الهمجية الإمبراطور البيزنطي في القسطنطينية (الإمبراطورية الرومانية الشرقية) زعيمهم. بدأ هذا قبل نهاية الإمبراطورية الرومانية الغربية في 476 م.
ظلت المدن والأرياف بدون تغيير تقريبا تحت حكم هذه القبائل الألمانية، وازدهرت ونمت المدن. كانت المدن مأوى التجار والحرفيين، ومراكز التجارة والإدارة المدنية والدينية. نشطت التجارة في أوروبا الغربية ومع شرق البحر الأبيض المتوسط. إحتفظ الملوك الألمان بالنظام النقدي الروماني، وبذلك استمرت الوحدة النقدية في أوروبا الغربية. تحت حكمهم، كان المال أساس النظام الإقتصادي، وليس المقايضة. في الواقع، الحفريات الأثرية في أوروبا الغربية، بوجه عام، باستثناء إيطاليا، تشير بوضوح إلى النمو الملموس للسكان والثقافة والتجارة خلال النصف الأخير من القرن السادس والنصف الأول من القرن السابع.
كانت تلك القرون زمن رخاء. تم سك كميات كبيرة من العملات الذهبية. كانت وحدة العملة النقدية الأساسية هي السوليدُس الروماني الذهبي. في بريطانيا فقط، إتستخدم الأنجلوساكسون عملة فضية. وقد تم استيراد سلع كمالية إلى أوروبا الغربية بكميات كبيرة، مثل الأقمشة، والمجوهرات، والتوابل، والخمور، الخ. التأخر بسبب تخلف الآداب الإجتماعية لم يسبب انفصال من الحياة الاقتصادية السابقة للإمبراطورية الرومانية الغربية. جلبت تلك الثروة والقوة ازدهار الآداب والفنون. لم يحتفظ فقط البرابرة الألمان بالحضارة الرومانية، بل بدؤوا أيضا نشرها في مناطق خارج الإمبراطورية الرومانية الغربية السابقة في شرق ألمانيا.
كانت الكنيسة المسيحية من القرن الرابع إلى السادس مركزا للمعرفة العلمية واللاهوتية. منذ بدايتها، شجعت الكنيسة المسيحية على المحبة والغفران والسلام. أصبحت أديرتها، وخاصة في ايرلندا والساحل الاسكتلندي، مراكزا للمعرفة في مجالات مختلفة، وليست فقط مراكزا للتأملات المسيحية. نسخ رهبانها مخطوطات كثيرة متنوعة واحتفظوا بها. إحتفظ رهبان البينديكتين في القرنين السادس والسابع على وجه الخصوص بالجزء الأكبر من الأدب اللاتيني واليوناني للعصور القديمة الكلاسيكية في مكتبات أديرتهم. لم يُفقد ولم يُنسى هذا التراث أبدا. ولذلك، لم يُكتشف بعد اتصالات مع العرب في العصور الوسطى. لم تكن أوروبا المسيحية في حاجة إلى الاعتماد على العرب الإسلاميين لاستعادة تراثها الثقافي القديم.
ألزم نظام بنديكت الرهبان بحياة العمل والدراسة والصلاة. أسسوا المدارس وشغلوا مناصب المعلمين. أنشؤوا المستشفيات في أوروبا، التي قدمت الرعاية الطبية المجانية للجميع. أصبحت الأديرة مراكزا للتعليم والبحث الطبي. وضعوا أسس علمي النبات والأحياء. وأدخلوا محاصيل وصناعات وأساليب إنتاج جديدة. اختاروا أراضي قفر لإقامة أديرتهم، وأصلحوها للزراعة لأول مرة.
إنها لحقيقة تاريخية أن المسيحية كان لها أثر إيجابي على العلم في القرنين الخامس والسادس. إزدهرت ونمت الحضارة اللاتينية والكلاسيكية في القرن السادس وبداية القرن السابع. وصلت إلى ايرلندا وانجلترا بواسطة المسيحية. أصبح الأدب اليوناني والروماني معروفا في هذه المناطق البعيدة البربرية سابقا. بدأت تظهر الكنائس والكاتدرائيات، بنماذج رومانية وشرقية، في جميع أنحاء الجزر البريطانية وألمانيا الشرقية.
ينبع مفهوم حقوق الإنسان من تعاليم الإنجيل. كثيرمن القادة المسيحيين، مثل غريغوري النيسي (335-394) ويوحنا الذهبي الفم (ت 407) أدانوا الرق ودعوا إلى معاملة العبيد بطرق أفضل. كان بعض الباباوات عبيدا سابقين (كليمنت الأول (92-99)، بيوس الأول (158-167)، وكاليكستوس الأول (217-222)). أعطت الكنيسة للعبيد حقوق الأسرة والزواج. لفترة من الوقت، ازداد عدد العبيد بعد الغزوات الألمانية. تدخلت الكنيسة بدفع تعويض لعتق العبيد، وبالتشريع لفائدتهم في مجالسها، وبالقدوة الصالحة لمعاملتهم الإنسانية. بحلول القرن التاسع أو العاشر، أنهت الكنيسة فعليا الرق في أوروبا.
إستمر الفن والهندسة المعمارية والتكنولوجيا للحضارة الرومانية بدون تغيير تقريبا في القرنين الخامس والسادس. بعد توقف قصير في البناء في القرن الخامس، إنتعش في القرن السادس. بنى الملوك القوطيون والفرنجة كاتدرائيات جميلة رائعة ورمموا القديمة. كان المبنى الأكثر روعة في القرن السادس هو الكنيسة الكبيرة للقديس فيتالي في رافينا بإيطاليا. عندما وصل الغزاة الإسلاميون إلى أسبانيا في 711 م ذُهلوا من حجم وثروة مدنها سيفيل وقرطبة وميريدا وتوليدو، ومن قصورها وكاتدرائياتها الرائعة.
على الرغم من أن الإمبراطورية الرومانية الغربية سقطت لغزوات البرابرة، لم تتأثر الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) بذلك. في الواقع، توسع جستنيان، الإمبراطور البيزنطي (527-565)، ومد حكم الإمبراطورية البيزنطية إلى جميع أنحاء إيطاليا وشمال أفريقيا وأجزاء من أسبانيا. كان تأثير الإمبراطورية البيزنطية، زعيم العالم المسيحي، قويا ومنتشرا في خلال القرنين الخامس والسادس. أثناء حكم جستنيان، استعادت الإمبراطورية مجدها مرة أخرى. شهدت الإمبراطورية ازدهار الحياة الفكرية والفنية، واستمرار التقدم في العلوم الطبيعية والطب والرياضيات، و تقنين القانون الروماني الذي كان له تأثير عميق على النظم القانونية الأوروبية لعدة قرون. لم يقتصر ازدهار الأدب والعلم لعهد جستنيان فحسب، أو إلى المناطق الشرقية من الإمبراطورية. يتهم البعض جستنيان بالتعصب الديني. لكن، لا هو، ولا أي حاكم مسيحي آخر في ذلك الحين، لجأ إلى العنف ضد غير المسيحيين. في الواقع، لقد حاول مرارا وتكرارا تسوية الخلافات مع المسيحيين الشرقيين في سوريا ومصر.
بوجه عام، كانت الإمبراطورية البيزنطية متسامحة تجاه الأديان الغير مسيحية. كان اضطهاد الإمبراطور جستنيان للمانيخيين لإعتبارات سياسية وليست دينية. كان المعتقد أنهم عملاء للعدو الفارسي. لقد استمرت الحروب بين الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية عقودا من الزمان. غالبا ما اتخذ اليهود جانب العدو الفارسي على أمل الحصول على الحكم الذاتي تحت الحكم الفارسي. لذلك، توترت العلاقة بين الإمبراطورية البيزنطية ورعاياها من اليهود.
(ه) الحضارة الإسلامية
(1) الثقافة الإسلامية
الإسلام ليس متسامحا لأنه يجعل من واجب المسلم نشره بقوة السلاح؛ لأنه ينص على عقوبة الإعدام للرجل المسلم الذي يترك الإسلام (المرتد)؛ لأنه يقمع ويضطهد غير المسلمين؛ لأنه يضفي الشرعية على نهب وتدمير المعابد الوثنية؛ لأنه يضفي الشرعية على قتل واستعباد الوثنيين؛ الخ.
سمح الإسلام في كثير من الأحيان بوجود المسيحيين واليهود في الأراضي المُحتلة ودعاهم ذميين. فرض عليهم دفع ضريبة الجزية، في مقابل الحماية الإسلامية. سمح لهم بالاحتفاظ بدينهم وممارسته. ومع ذلك، تعرضوا، في كثير من الأحيان، للاستعباد والمذابح لأدنى ذريعة. كان الذميون مواطنين من الدرجة الثانية في أوطان آبائهم وأجدادهم. كانت حياتهم صعبة جدا، لدرجة أنه في خلال قرون قليلة، إضمحلت أعدادهم إلى أقليات صغيرة تلاشت في العديد من المناطق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في كثير من الحالات، لم يرغب الحكام المسلمون أن يعتنق المسيحيون المحليون الإسلام لكي لا يفقدوا دخل الجزية المربح. كان أهم سبب لقبول الإسلام على مضض استمرار وجود اليهود والمسيحيين في الأراضي المحتلة هو استخدامهم كخدام يعولون النخبة الحاكمة من المسلمين وقواتهم لكيما يستمتعوا بحياة الترف في وجود طفيلي معتمد على الذميين.
نحو نهاية القرن العاشر، تدهور وضع المرأة المسلمة إلى مستوى أدنى منخفض نجده في روايات "ألف ليلة وليلة" التي تقدم المرأة كمصدر للتآمر، والمشاعر والأفكار الشريرة التافهة.
تشرح هذه الصفحات موقف الإسلام من الحرب المقدسة (الجهاد)، والنساء، والرق.
يحث الإسلام على عداوة اليهود. كره محمد اليهود بلا هوادة لأنهم قد رفضوا الاعتراف بأنه مسيحهم الذي طال انتظاره. كان ذلك ما غير صداقته المبكرة لهم إلى كراهية عنيفة. كان محمد مسئولا عن أول مذبحة إسلامية في التاريخ الإسلامي الدموي الطويل، وهي مذبحة قبيلة بني قريظة، آخر قبيلة يهودية في المدينة، في 627 ميلادي. قتل المسلمون كل رجال القبيلة الغير مسلحين (800-900 رجلا) بحد السيف بوحشية (الأحزاب 33: 26؛ البخاري، الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ 280.52.4). ونهبوا ثروتها. وباعوا نساءها وأطفالها كعبيد. وعقب ذلك، هجم محمد على القبيلة اليهودية بخيبر (البخاري، المغازي 512.59.5). ذبح محمد بني المصطلق اليهود. يدعي القرآن أن اليهود قد تحولوا إلى قردة (البقرة 2: 65؛ الأعراف 7: 166)، واليهود والمسيحيين إلى خنازير (المائدة 5 : 59-60). ويُشبه اليهود بالحمير (ألجمعة 62: 5). كما يقول أن اليهود ملعونون بسبب عدم إيمانهم (المائدة 5: 78). ولقد ادعى محمد أن المسلمين سوف يبيدوا اليهود عند نهاية العالم (البخاري، الجهاد والسير 177.52.4).
حدثت المجازر الأوربية الأولى لليهود في اسبانيا. إرتكبها إسلاميون. وهي مجازر قرطبة بأسبانيا في عام 1011، وغرناطة بأسبانيا في 30 ديسمبر 1066 حيث قُتل حوالي 4000 يهودي. تعرض اليهود للعنف والاستغلال عبر التاريخ الإسلامي.
تعلم الأوروبيون من الإسلام كراهية اليهود التي ميزت العصور الوسطى. إرتبط هذا التغيير الجذري في المشاعر تجاه اليهود بالنضال ضد الإسلام. شجع الحكام الإسلاميون في أسبانيا العداء بين اليهود والمسيحيين، وفقا لسياسة "فرق تسد." إشتبه المسيحيون في تواطؤ اليهود سرا مع الحكام المسلمين لأن العديد من كبار المسؤولين الذين استخدمهم الخلفاء كانوا من اليهود. كما اشترك التجار اليهود في بيع العبيد الأوروبين في العالم الإسلامي مما أدى إلى زيادة شبهة تواطؤ اليهود مع المسلمين. وعزز ذلك الشائعات التي روجها العرب بأن اليهود قد ساعدوهم في قهر أسبانيا. أدى ذلك إلى انعدام الثقة ومذابح اليهود في ألمانيا وبوهيميا عام 1096م عند بداية الحملة الصليبية الأولى. كان هذا أول أعمال العنف الخطيرة التي ارتكبها الأوروبيون ضد اليهود في المأساة التي استمرت عدة قرون.
(2) مشكلة المنطق العلمي في الإسلام
هل شجع الإسلام العلم والفن؟
بدأت الفلسفة العقلية المنطقية تتطور في مذهب المعتزلة للفقه، الذي دعا إلى مبدأ خلق القرآن. لكن أدان الخليفة العباسي جعفر المتوكل (847-861) فلسفة المعتزلة، مما فتح الباب لمبادىء الأشعري (ت 935) المناقضة. دعا مذهب الأشعري إلى مبدأ "الإرادية" الذي يقول أن الأشياء المخلوقة ليس لها وجود فطري ذاتي، وأن إله الإسلام يعيد خلقها كل لحظة وفقا لارادته العشوائية. أدى هذا إلى مبدأ "الإتفاقية" الإسلامي الآخر الغير منطقي. هيمن مذهب الأشعري على الإسلام السني منذ ذلك الحين. أدى ذلك إلى نهاية الفلسفة الإسلامية المنطقية إلى الأبد.
رفض محمد الغزالي الفارسي (1058-1111)، أحد قادة الفقه الإسلامي، المنطق العلمي التحليلي وقوانين الطبيعة، واعتبرها ضلالا ومغالطة. وأدان بشدة أرسطو وأفلاطون وسقراط والمفكرين اليونانيين الآخرين لعدم إيمانهم. كما ندد بقوانين الطبيعة التي يفحصها ويدرسها العلم، وادعى أنها تجديف ضد إله الإسلام إذ أنها تقيد إرادته الحرة. ربط العقيدة الإسلامية بالصوفية الإسلامية. ادعى في مقالته بعنوان "عدم تناسق الفلاسفة" أن جميع الأحداث في الكون تنجم مباشرة من إرادة إله الإسلام التي لا يمكن دراستها والتنبؤ بها، إذ أنها لا تتفق بالضرورة مع أي من قوانين الطبيعة المخلوقة (مبدأ الإتفاقية). وفقا لذلك، يخلق إله الإسلام في نفس الوقت وبشكل مستمر السبب ونتيجته بإرادته العشوائية. أدى هذا الإعتقاد إلى موت المنطق التحليلي. وكان له تأثير مدمر على تطور ونضج العلم في العالم الإسلامي. دمر إله الإسلام العلم. ونتيجة لذلك، لم يساهم المسلمون بشيء تقريبا في التقدم العلمي والحضارة الإنسانية منذ فجر القرن الثالث عشر.
رد ابن رشد (1126-1198)، وهو قاضي إسلامي مشهور في إسبانيا، على رأي الغزالي في مقالته بعنوان "عدم تناسق عدم التناسق." حذر جميع فلاسفة العصور الوسطى الرئيسيين، بما في ذلك ابن سينا، وابن رشد، وموسى بن ميمون، والقديس توماس الأكويني، ضد مبدأ "الإتفاقية." ومع ذلك، فقد قبل الإسلام واعتنق فلسفة الغزالي الأشعرية التي تستنكر المنطق العلمي. يعني هذا أن العلم في العالم الإسلامي يمكن أن يتطور فقط في تجاهل وعصيان عقيدة أساسية في الإسلام. في الواقع، تهاجم الشريعة الإسلامية الفلسفة، "وعلوم الطبائعيين" (عمدة السالك، a7.2). كما تحظر الشريعة الإسلامية الموسيقى والتصوير الفني للكائنات الحية (عمدة السالك، r40.1،w50.1-8 )، وتحرم كل أنواع الفنون البشرية باستثناء الخط. بالإضافة إلى ذلك، ابدى ابن رشد رأيه بأنه لا يمكن أن تكون استنتاجات المنطق التحليلي صحيحة بالمعنى المطلق لأنها تناقض الوحي الإسلامي. لا يمكن أبدا أن تبدأ هذه الإعتقادات ثورة علمية مماثلة لتلك التي حدثت في أوروبا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. الإسلام الأصلي (الوهابيين، المهديين السودانيين، الخ)، الذي نادي به ابن تيمية (1263-1328) الفقيه الدمشقي المتعصب، يصر على العودة الى حياة الجزيرة العربية البدائية الغير علمية للقرن السابع، والشريعة الإسلامية القمعية، لأنه ليس لإله الإسلام معايير موضوعية للخير والشر. يجعل هذا استخدام مقدرات الإنسان العقلية التحليلية لا قيمة لها.
لقد نُفي ابن رشد، وأحرقت كتبه. مات في المغرب في عام 1198. موسى بن ميمون (1135-1204)، الفيلسوف الأسباني اليهودي الشهير للقرن الثاني عشر، اضطر إلى الفرار للهرب من اضطهاد الموحدين. فُرضت الرقابة الدينية الإسلامية على معظم مجالات البحث العلمي باستثناء الطب وعلم النباتات لفائدتهما العملية.
عرقل الإسلام تقدم الحضارات الوطنية الأصلية في الأراضي المحتلة. أغرقها في عصر ظلام. بعد إنشاء سلطنة دلهي، لم يتأسس مركز واحد للعلم والدراسة (بخلاف المدارس الاسلامية) لأكثر من سبعة قرون. أنشئت أولى الجامعات الحديثة فقط خلال الحكم البريطاني. قمع الإسلام الابتكار. مثال هام لذلك هو المطبعة الآلية التي وصلت إلى الأراضي الإسلامية في عام 1492م. حظرت السلطات الإسلامية الطباعة لأنهم اعتقدوا أن طبع القرآن بآلة هو إهانة له.
قاوم الإسلام العلم، واضطهد العلماء والفلاسفة في كثير من الأحيان. المساهمة الضئيلة للعلم والفلسفة قدمها مسلمون إنتقدهم ونبذهم الإسلام كزنادقة وهراطقة (على سبيل المثال: الفارسي الرازي (865-925)، والأوزبكي ابن سينا (980-1037)، ابن رشد (1126-1198)، الفارسي عمر الخيام (د. 1123)، إلخ). ومع ذلك، تقدم العلم لفترة من الوقت على الرغم من مقاومة الإسلام. أعلن فقهاء الإسلام أن جميع البحوث العلمية والفلسفية تتعارض مع إرادة إله الإسلام، وهاجموها لأنها شكلت تهديدا للعقيدة الإسلامية. إعتبروا العلوم العلمانية غير إسلامية. تم دراسة فلسفة أرسطو وتعليقات ابن سينا وابن رشد عليها في الجامعات الأوروبية في القرن الثاني عشر. لكن، تم تجاهلها تماما وعدم دراستها في العالم الإسلامي الذي ركز على دراسة القرآن. بينما رفض العالم الإسلامي التراث الفلسفي اليوناني، وجدت المسيحية فيه عناصر متفقة مع تعاليمها. أثبتت مسيحية القرون الوسطى مرونتها وانفتاحها. سحقت الثيوقراطية الإسلامية الاستبدادية الحضارات المزدهرة لمصر، وسوريا، وبلاد ما بين النهرين، وبلاد فارس، والهند.
تطور وتقدم العلم في العالم المسيحي، وليس في العالم الإسلامي، لأن المسيحية قد آمنت بكون متسق متماسك منظم يحكمه الإله الحقيقي القدوس القدير للتوراة والإنجيل. آمن الإسلام بإله ذي إرادة عشوائية مطلقة تحول دون تماسك واتساق قوانين الفيزياء التي تحكم الكون. العقيدة الإسلامية تتناقض مع العلم. جلب رفض الإسلام للابتكار وللعلوم الغير قرآنية النهاية السريعة للحضارة الإسلامية. عندما حاصر الأتراك القسطنطينية في القرن الخامس عشر، اضطروا أن يحصلوا من الأوروبيين على المدافع التي استخدموها في اختراق أسوار المدينة.
نهضت القسطنطينية في القرنين التاسع والعاشر. أسس بارداس جامعة القسطنطينية في 863م. وتجدد الإهتمام بدراسة الكلاسيكيات اليونانية القديمة. بحلول نهاية القرن الثاني عشر، تفوقت أوروبا على العالم الإسلامي تقريبا في كل مجالات العلوم والتكنولوجيا على الرغم من تأخر وصول اختراعات الصين والهند إليها، وعلى الرغم من أنه، قبل بضعة قرون، غزت الجيوش الإسلامية كل مراكز الحضارات اليونانية والبابلية والفارسية القديمة.
على النقيض من الركود العقائدي للعالم الإسلامي، إزدهرت العلوم في أوروبا المسيحية لأن الافتراضات المستمدة من الكتاب المقدس مختلفة تماما عن تلك التي من القرآن. يفترض الكتاب المقدس أن قوانين الله لكونه المخلوق هي طبيعية ومستقرة وواقع لا يتغير. عبر العالم الكبير اسحق نيوتن عن إحدى المبادئ التوجيهية الأساسية لعصر النهضة الأوروبية بقوله إن دراسة الكون المادي يكشف عن عظمة وإبداع عمل الإله الحي القدير للتوراة والإنجيل في خليقته. تؤمن المسيحية بكون منظم خاضع لقوانين مخلوقة ثابتة تعكس حكمة ومنطق الله خالقه. لا تشكل القوانين المخلوقة للطبيعة أي قيود على حرية الإله القدير الخالق. في الواقع، يعكس العقل البشري ذكاء خالقه. يدرس العلم الأسباب الطبيعية لعمليات الطبيعة دون التعدي على النطاق الإلهي. العلم يكتشف ويلقي ضوءا على العناية الإلهية، ويعرب عن رغبة الإنسان في معرفة الله وبهائه.
أدانت الكنيسة الكاثوليكية جاليليو جاليلي في عام 1633، وحددت إقامته. لم يُسجن ولم يُعذب. لم يمنعه أحد من متابعة أبحاثهه العلمية. كان المصدر الرئيسي لاختلافاته مع الكنيسة انه ترك مجال العلم ودخل مجال الفلسفة واللاهوت. سخر من فلسفة الكاثوليك التوماسية. قدم جاليليو نفسه كلاهوتي متمرد مما أدى إلى إدانة ادعاءاته الاهوتية. لم يُدان لنظرياته العلمية، ولكن لأنه أراد صياغة لاهوت منحرف. لم يميز بين العلم والفلسفة. في الواقع، لعبت الكنيسة الكاثوليكية دورا رئيسيا في تطوير الجامعات، والعلوم، واقتصاد السوق الحر، والقوانين المدنية، والمؤسسات الخيرية، الخ. هناك عدد لا بأس به من العلماء الأوروبيين من رجال الكنيسة.
(3) العلم والفلسفة في الإمبراطورية الإسلامية
الإعتقاد الشائع أن الحضارة الإسلامية شهدت عصرها الذهبي في الفترة من القرن السابع إلى القرن العاشر (650-950) عندما ازدهر العلم والفن. من المعتقد أن العلماء المسلمين حافظوا على تراث الحضارات اليونانية والرومانية الكلاسيكية، وأوصلوها بعد ذلك مرة أخرى إلى أوروبا. وفقا لهذا الادعاء، بدأ عصر النهضة الأوروبية في أسبانيا، وليس في إيطاليا. يقدم انصار هذا الادعاء قائمة لانجازات كبيرة من المفترض أنها لعلماء العرب والمسلمين. يذكرون مساهمات الطبري الفارسي (838-923) في التاريخ، وابن رشد الإسباني-العربي (1126-1198) في الفلسفة، وابن سينا الأوزبكي (980-1037) في الطب، والكندي (801-873) في الفلسفة، والبيروني الفارسي (973-1050) في الفلك والطب، والرازي الفارسي (864-930) في الطب والكيمياء، وابن الهيثم (965-1040) في البصريات. ويُعتبر هذا الأخير مصدر المنهج العلمي الحديث.
هل هذه المزاعم صحيحة؟ أم أنها مجرد مبالغات وهمية؟
بالتأكيد، كانت الإمبراطورية الإسلامية في بدايتها ثرية جدا، بسبب الأراضي الشاسعة التي غزتها واستولت عليها الجيوش العربية الإسلامية قبل 650 م، من شمال أفريقيا في الغرب إلى بلاد فارس وأفغانستان في الشرق. سيطروا على الثروات والحضارات للمراكز القديمة للحضارة والسكان. حصلوا على ثروة هائلة من الضرائب والنهب والسلب، بما في ذلك نهب الكنائس، والمعابد، وحتى مقابر فراعنة مصر القديمة الأثرية. سيطروا على مناجم ضخمة للفضة في خراسان، شرق بلاد فارس، وبلاد وراء النهر، بين كشمير وبحر آرال. كما سيطروا أيضا على مناجم الذهب في النوبة، جنوب مصر. على الرغم من هذه الثروة الطائلة، وبعد البحث المكثف الدقيق في البقايا الأثرية القديمة، لم تم اكتشاف أي دليل يشير إلى مدن كبيرة مزدهرة في بغداد وقرطبة بالأندلس.
لفترة من الوقت، شجع بعض الحكام المسلمين الأولين العباسيين اللبراليين مراكز العلم. لكن، لم تُقدر بعض العلوم ذي الطبيعة العملية، وخاصة الطب والأدب. كان هذا هو الوقت الذي كان فيه العالم الإسلامي الرائد في مجال العلم. ظهرت أبحاث علمية وفلسفية. كان في حوزة العلماء الناطقين باللغة العربية العديد من النصوص الكلاسيكية التي لم يمكن الحصول عليها بسهولة في أوروبا. قدم هؤلاء العلماء مساهمات هامة في مجالات مختلفة للعلوم. حققوا تقدما في مجالات معينة من المعرفة (مثل علم الفلك والطب) لم تتطلب أساس نظري عام. مع مرور الوقت، توقف هذا التقدم. إكتسب العرب من الصين طرق صناعة الورق، والبوصلة، الخ بين القرنين الثامن والحادي عشر.
لم يكن للعرب حضارة خاصة بهم. كان معظم العرب الذين غزوا المناطق المجاورة للجزيرة العربية بدوا أميين. غزوا مصر وسوريا وبلاد ما بين النهرين وبلاد فارس، حيث ازدهرت الحضارات القديمة في فجر التاريخ البشري. سمحوا أن تستمر مراكز المعرفة من هذه المناطق لفترة من الوقت. بالإضافة إلى ذلك، كانت بلاد الفرس على وجه الخصوص معبرا تدفقت من خلاله العلوم والتكنولوجيا للحضارات العظيمة للشرق الأقصى القادمة من الهند والصين (مثل البوصلة، والورق، واستخدام الصفر في الرياضيات، والبارود، الخ). أعطى الأوروبيون معظم هذه الإختراعات أسماءا عربية لأنها وصلت إليهم من الأراضي الخاضعة لحكم العرب. إذا لم يقطع الاسلاميون طرق التجارة إلى الهند، لحصلت أوروبا على هذه الابتكارات بشكل مستقل عن العالم الإسلامي، وربما في وقت أسرع.
أنتجت بابل الكحول قبل الفتح العربي الإسلامي. لم يخترع الخوارزمي الفارسي (780-850) علم الجبر. اخترع عالم الرياضيات اليوناني ديوفانتس علم الجبر في الإسكندرية في القرن الثالث مؤسسا على معرفة البابليين. كان عالم الرياضيات والفلك الهندي أريبهاتا (القرن الخامس) مصدر الأفكار الفلكية التي تُعزى إلى الزرقيال والفارابي. كما أنتج أيضا أبحاثا في الحساب والهندسة والجبر.
لم يكن معظم العلماء والفلاسفة في الإمبراطورية الإسلامية عربا أو مسلمين. كانوا مسيحيين ويهود ووثنيين معروفين بأسماء عربية، عملوا تحت الحكام المسلمين، وتعلموا اللغة العربية. استمروا في ممارسة معتقداتهم الدينية الخاصة. لكنهم اضطروا أن ينشروا أبحاثهم باللغة العربية. أنتج اليهود معظم الأبحاث الفلسفية العربية. بالإضافة إلى ذلك، أنتج غير العرب معظم الأدب العربي في تلك الفترة. كان أساس روايات "ألف ليلة وليلة" الشهيرة مؤلف فارسي قديم (هزار أفسانا) الذي احتوى على قصص من أصل هندي. كانت أول جامعة في العالم هي الجامعة الاشورية في نصيبين، وليس الأزهر في القاهرة بمصر.
قدم كاهن أنطاكي يدعى بروبس فلسفة أرسطو إلى العالم العربي في القرن الخامس. ترجم مسيحيون نسطوريون إلى العربية مجمل المعرفة العلمية والفلسفية اليونانية في القرنين الثامن والتاسع. بنت العلوم والفلسفة اليونانية والفارسية الحضارة العربية. التحسينات التي أدخلها العلماء المسلمون إلى العلم اليوناني لم تكن ذي تاثير هام. كان حنين بن إسحاق (809-873) المسيحي النسطوري هو الرجل الذي قام بقيادة مدرسة بغداد التي أنشئت في عام 830م ودعيت بيت الحكمة. ولقد قام بترجمة العديد من أعمال أرسطو وجالينوس وأفلاطون وأبقراط إلى السريانية. تلاه ابنه الذي ترجمها إلى اللغة العربية. كما ترجم يحيى بن عادي السوري المسيحي (893-974) أعمال فلسفية إلى اللغة العربية، وأنتج أبحاثه. تشير أدلة كثيرة إلى أنه، بدلا من تشجيع جهودهم ودراساتهم، نظر إليها الزعماء المسلمون بكثير من الشكوك والريبة.
كان معظم العلماء المسلمون القليلون ليسوا عربا (عالم الرياضيات الخوارزمي الفارسي (ربما كان زردشي—780-850)، والفيلسوف ابن سينا الأوزبكي (980-1037)، وغيرهم). في الواقع، كان القدر الكبير من المعرفة الإسلامية من أصل فارسي. أسس العلماء الفارسيون الأدب والعلم في العالم الإسلامي. فرضت فارس عاداتها وقيمها وتقاليدها على غزاتها. انتصرت الحضارة الفارسية على البربرية العربية. قهرت غزاتها. أحيت الخلافة العباسية الديكتاتورية الفارسية واستخدمت ألقاب وخمور وأغاني وزوجات فارسية.
سجل ابن خلدون (1332-1395)، المؤرخ المسلم الشهير، تدمير مكتبة الإمبراطورية الفارسية بعد الاستيلاء على عاصمتها عام 637م. كتب الخليفة عمر بن الخطاب إلى قائد الحملة المسلم عن مخطوطات المكتبة قائلا: "ألقيهم في الماء. إذا كان بهم هدى، فقد وهبنا الله أفضل منه. وإذا كان ضلالا، فقد حمانا الله منه." تدهور حال المكتبات في العالم الإسلامي من حوالي عام 1100م. عندما استولى صلاح الدين على مصر من الفاطميين في 1169، أمر بتدمير العديد من المكتبات بأكملها، أو توزيع مخطوطاتها على جنوده كغنيمة حرب. دمر الغزاة الإسلاميون المدرسة السنسكريتية في فيشالديف بولاية غوجارات بالهند في 1196، ومركز بوذي للتعليم مع مكتباته في نالاندا عام 1200.
لم يهتم العرب المسلمون بتواريخ وثقافات الحضارات القديمة العظيمة التي قهروها. على الأرجح قاموا بتدمير مخطوطات قديمة محفوظة في مكتبات وأديرة. في الواقع، لم يكن لديهم فكرة في القرن الثامن عن الذين شيدوا الأهرام العظيمة والآثار الضخمة في مصر، على الرغم من أن هذه المعرفة كانت متوفرة على نطاق واسع في المخطوطات الكلاسيكية لهيرودوت وديدورس التي كانت في مكتبات مصر وبابل. عزت السجلات الإسلامية في مصر بناء الأهرام إلى ملوك من الجن. إعتقد عمر الخيام (ت 1123)، الشاعر وعالم الرياضيات المسلم الفارسي، أن ملك أسطوري من الجن بنى كلا من أهرام مصر والمدينة الفارسية الأثرية برسبوليس، عاصمة الملوك داريوس الأول وأحشويروش.
بدأ الحكام المسلمون في نهب الآثار القديمة في مصر على نطاق واسع، بما في ذلك مقابر الفراعنة. نهب صلاح الدين، البطل الإسلامي، آثار الجيزة الصغيرة واستخدم حجارتها لبناء قلعة القاهرة (1193-1198). بذل ابنه العزيز عثمان، الذي خلفه، جهدا كبيرا لهدم الهرم الأكبر في مصر. أزال الطبقة الخارجية من الحجر الجيري الأملس الذي كان مغطى بنقوش لا تقدر بثمن من الناحية التاريخية، ولكنه لم يستطع أن يدمر الهرم بسبب التكاليف الباهظة لذلك. في نهاية الأمر، هزمه الفرعون الميت!
(4) إستنتاج علم الآثار
تعتبر الفترة من القرن السابع إلى القرن العاشر (650-950) العصر الذهبي للحضارة الإسلامية. من القرن الحادي عشر، بدأ العالم الإسلامي في التدهور السريع خلف الغرب. قام علماء الآثار ببحث أثري واسع النطاق في جميع أنحاء الأراضي الإسلامية من أسبانيا إلى إيران لأكثر من مائة سنة. لم يكتشفوا إلا القليل جدا فوق أو تحت الأرض من بقايا حضارة العصر الذهبي الإسلامي المزعوم.
على سبيل المثال، في جميع أنحاء مصر، يوجد فقط مسجدين في القاهرة من المعتقد أنهما قد بُنيا قبل القرن الحادي عشر: مسجد عمرو بن العاص (641)، ومسجد أحمد بن طولون (878). لكن تاريخ مسجد ابن طولون مشكوك فيه إذ أن به سمات لا توجد إلا في مساجد من القرن الحادي عشر. تم نسخ تصميم مسجد قبة الصخرة في القدس من نماذج بيزنطية وبناه في 691م حرفيون بيزنطيون مسيحيون في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. في شمال أفريقيا، جامع القيروان الأكبر (جامع عقبة) مازال قائما بعد عدة عمليات إعادة بنائه اتنتهت في القرن التاسع.
ماذا وجد علماء الآثار في أسبانيا؟ مسجد قرطبة هو المبنى الإسلامي الوحيد في أسبانيا الذي يرجع تاريخه إلى ما قبل القرن الحادي عشر. ولكن هذا المسجد ليس بناءا إسلاميا. كان في الأصل الكاتدرائية القوطية لسانت فنسنت، التي تم تحويلها إلى مسجد من المفترض في عهد عبد الرحمن الأول. لكن، على الأرجح، حدث التحويل في عهد عبد الرحمن الثالث (أواخر القرن العاشر). في الواقع، معظم المعالم الإسلامية فيه تنتمي إلى فترة حكمه. بعد الحفريات الشاملة في قرطبة على مدى أكثر من سبعين عاما، تم العثور فقط على ما يلي: الجزء الجنوبي الغربي من سورها، وحمام عام صغير، وجزء من المسجد الأموي (القرن الثامن والتاسع). يعني هذا أن قرطبة الأندلسية ذات الثقافة والغنى الخرافي ليست حقيقة تاريخية. بل هي مجرد أسطورة إسلامية.
مرة أخرى، لم يكتشف البحث الأثري المكثف أي أدلة تشير إلى مدينة كبيرة في منطقة بغداد. لا تزال المئذنة الحلزونية للجامع الكبير في سامراء بالعراق (851) قائمة. تم تدمير مسجدها في عام 1278 بعد الغزو المغولي لهولاجو خان. المراكز الإسلامية المبكرة التي توفر بقايا اثرية هامة من القرن السابع إلى القرن العاشر هي في بلاد فارس (سامراء، سيراف، إلخ). يبدو أن أسلمة الأراضي الزرداشية للإمبراطورية الساسانية السابقة كانت أقل عنفا بكثير من أسلمة الأراضي البيزنطية المسيحية.
الحقيقة الواقعة أن البحوث الأثرية لم تعثر إلا على بقايا قليلة جدا من العصر الذهبي المزعوم للحضارة الإسلامية. يثبت هذا أن الإسلام لم يكن حضارة مزدهرة مثقفة استمرت عدة قرون.
(و) نهاية الحضارة الكلاسيكية في أوروبا
اختفت في جميع أنحاء أوربا وشمال أفريقيا كل معالم الحضارة الكلاسيكية الرومانية المتصلة بالمراكز الثقافية للشرق فجأة بعد الغزو العربي الإسلامي المدمر بين منتصف القرن السابع وبداية القرن الثامن الميلادي. نتج هذا من توقف العلاقات التجارية والثقافية التي استمرت قرونا بين أوربا وشرق وغرب البحر الأبيض المتوسط. بحلول منتصف القرن السابع الميلادي، اختفت من أوروبا بالكامل تقريبا التوابل المستوردة من الهند والصين والجزيرة العربية؛ والحرير والذهب والبردي. كان لفقدان البردي تأثير مدمر على الثقافة الأوروبية. إضطرت أوروبا إلى العودة لاستخدام جلود الحيوانات (الرق) الباهظة الثمن للكتابة. أُستخدم رق الكتابة الثمين عدة مرات بعد محو النصوص القديمة، مما أدى إلى اختفاء بعض الثقافة اليونانية واللاتينية. بدأ الاقتصاد الأوروبي القائم على المال يختفي، وحل محله اقتصاد المقايضة (المبادلة) المحلي. إختفت العملة الذهبية وحل محلها عملة فضية قليلة القيمة.
بدأت الغزوات الإسلامية في شمال أفريقيا وأسبانيا عهد إرهاب استمر بضعة قرون. دمرت أعمال الري الرومانية، أو أهملتها فتدهورت، وأنشأت بدلا منها اقتصاد رعوي بدوي. أدت إلى موجات لا مثيل لها من النهب والسلب والقرصنة في البحر الأبيض المتوسط. جلبت أساطيل القراصنة وتجار الرقيق الإسلاميين الدمار المتوالي للمناطق الساحلية لإيطاليا وأسبانيا وجنوب فرنسا واليونان وجزر البحر الأبيض المتوسط دون هوادة لما يقرب من ألف سنة. أدى ذلك إلى التخلي في جميع أنحاء جنوب أوروبا عن المستوطنات الزراعية والتجارية، والتراجع إلى التحصينات القوية فوق التلال، التي بدأت قلاع القرون الوسطى. لكن، نوع واحد من التجارة استمر وازدهر، وهي تجارة الرقيق. كان الرقيق الأبيض من ذكور وإناث رائج للغاية في الخلافة الإسلامية. خُصي الذكور عموما واستُخدموا في مهام الخصيان. أما الإناث فوُضعوا في الحريم. يُقدر أنه بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، أسر القراصنة المسلمون النابعون من شمال أفريقيا واستعبدوا بين مليون ومليون وربع من الأوروبيين.
كان تأثير الغزوات الإسلامية في القرنين السابع والثامن مدمر للغاية. أدت إلى طوفان من العنف الفوضوي الأكثر تدميرا من حروب الهون والوندل البربرية. إنها أنشأت المناخ العام لأعمال النهب والفوضى. كانت حرب الجهاد الإسلامي ضد أوروبا المسيحية حربا بلا نهاية وبلا قواعد. احتدمت لقرون عديدة دون هوادة. هاجمت الجيوش الإسلامية روما والقسطنطينية عدة مرات. فقدت الإمبراطورية البيزنطية بعضا من أقاليمها الأكثر ازدهارا، وهي سوريا وفلسطين ومصر وشمال أفريقيا. أدت هذه الخسائر إلى تقلصها إلى أقل من نصف حجمها السابق في المساحة وعدد السكان. اندلعت معارك أسبانيا لبضعة قرون. أصبح البحر الأبيض المتوسط، الذي كان سابقا مجالا للتجارة، جبهة حربية خطيرة. توقف النشاط التجاري بين أوروبا والشرق. تعرضت المدن الساحلية الأوروبية للنهب والسلب الإسلامي المتكرر. إزدهرت تجارة الرقيق الإسلامية. كانت القرصنة الإسلامية من أهم العوامل التي أدت إلى انهاء الحضارة الكلاسيكية الأوربية، وبدأ العصور الوسطى في أوروبا. ظلت منطقة البحر الأبيض المتوسط خطيرة جدا لجميع السفن التجارية حتى أوائل القرن التاسع عشر.
تعرض شمال أوروبا لغارات القراصنة الفايكنج الاسكندنافية في نفس الوقت الذي تعرض فيه جنوب أوربا للتهديد الإسلامي. قام الفايكنج بتزويد الإمبراطورية الإسلامية بالخصيان والعبيد والمحظيات من روسيا. إشترك بعض الحكام الغربيين في تجارة الرقيق في محاولة يائسة لجمع الأموال لدرء هجمات الفايكنج.
تدهورت الفنون والعلوم في أوروبا في العصور الوسطى. تخلى الفكر عن التحليل المنطقي للفلسفة اليونانية والرومانية، واتجه إلى التبسيط والسطحية الحرفية لفهم كل شيء. نتج هذا من تأثير المبدأ الإسلامي الذي يدعي أن الإيمان يتعارض جذريا مع المنطق العلمي التحليلي للعقل. تحت تأثير المبدأ الإسلامي المضاد للأيقونات، أمر الإمبراطور البيزنطي ليو الثالث في 726-730 بإزالة جميع الصور المقدسة في جميع أنحاء الإمبراطورية. بدأ هذا أزمة الأيقونات الشهيرة التي أدت إلى انقسامات كبيرة داخل الإمبراطورية.
كان للإسلام تأثير ثقافي وأيديولوجي كبير على أوروبا في أوائل العصور الوسطى. عرف المسيحيون من الإسلام مفهوم الحرب المقدسة (الجهاد) الذي لا يتفق مع التعاليم المسيحية. الاعتقاد في السحر الأسود والتنجيم وقوة إبليس وعملائه من الشياطين أصبح من السمات المميزة لثقافة العصور الوسطى في أوربا. لم يكن التفكير المستنير لابن سينا وابن رشد، الذين تهمشا في العالم الإسلامي، ذي التأثير الإيديولوجي الحاسم في أوربا التي تدهورت اقتصاديا وثقافيا نتيجة القرصنة والحروب الإسلامية. بل كان التأثير المنتشر للإسلام في أوروبا هو المبادئ الأكثر قتامة للقرآن والحديث، مثل مبدأ الحرب المقدسة (الجهاد) ضد غير المؤمنين، وعقوبة الإعدام للمرتد والمبتدع المسلم، واغتصاب إماء وأسرى الحرب، التعذيب، والثيوقراطية، الخ.
يفرض الإسلام عقوبة الإعدام على الرجل المسلم الذي يتركه (المرتد). أدان جميع آباء الكنيسة المسيحية استخدام القوة ضد الهراطقة. ومع ذلك، تأثرت المسيحية في أوروبا في العصور الوسطى بالشريعة الإسلامية. أنشأ البربر الموحدون الإسلاميون، الذين حكموا أسبانيا وشمال أفريقيا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، لجنة تحقيق (محاكم التفتيش) للقضاء على المرتدين. أرغم الكثير من اليهود على قبول الإسلام. شك الموحدون الإسلاميون في صدقهم. لذلك استولوا على أطفالهم وربوهم كمسلمين. حذا حذوهم البابا إنوسنت الثالث بإنشاء محاكم التفتيش الخاصة به بعد ذلك بخمسين عاما. في عام 1487، صدر مرسوم بابوي اسمه "مطرقة الساحرات" الذي فرض عقوبة الإعدام على السحرة وعبدة الشيطان. أدت محاكم التفتيش الاسبانية في وقت لاحق إلى قمع شديد للمسلمين. كان ذلك بسبب الخوف من غزو اسلامي جديد لأسبانيا من العثمانيين واحتمال تأييد المسلمين المحليين للغزاة الاسلاميين.
ضعفت سلطة الملوك الأوروبيون لفقدهم مصدر هام لإيراداتهم الضريبية بسبب الحصار الإسلامي لتجارة البحر الأبيض المتوسط، ولازدياد القوة العسكرية للبارونات المحليين للدفاع عن السواحل الجنوبية لأوروبا ضد الغارات المستمرة للقراصنة الإسلاميين في البحر الأبيض المتوسط. وبالتالي، احتاج الملوك الأوروبيون إلى دعم من الكنيسة لتعزيز موكزهم. أصبح ملوك أوروبا في القرون الوسطى خاضعين للبابا، واعتمدوا اعتمادا كبيرا على الكنيسة في إدارة بيروقراطية الدولة. كان للبابوية القدرة على اختيارهم وعزلهم. كان البابا إنوسنت الثالث (1198-1216) من أقوى رجال الدين تأثيرا في الشئون السياسية في العصور الوسطى. ساهم الإسلام في ظهور الثيوقراطية الأوروبية في العصور الوسطى. أسس الإسلام الثيوقراطية منذ بدايته. مارس محمد، نبي الإسلام، السلطتين الروحية والمدنية على حد سواء. حذا الخلفاء الإسلاميين حذوه من بعده.
على الرغم من التأثير الإسلامي السلبي على أوروبا في العصور الوسطى، استمرت الرسالة المسيحية للمحبة والرحمة تشع ضوئها الساطع. كانت منارة هادية في ظلام ذلك العصر. في القرنين العاشر والحادي عشر، قامت الكنيسة بحماية حقوق الإنسان الأساسية للفلاحين، التي أراد ملاك أراضيهم حرمانهم منها. قدمت الأديرة المأوى والرعاية الطبية للمعوزين. أدى النضال الشجاع للعديد من رجال الكنيسة إلى نهاية استعباد السكان الأصليين في العالم الجديد.
كان النظام الاجتماعي السائد في أوروبا في العصور الوسطى هو النظام الإقطاعي. إتسم بضعف السلطة المركزية. إحتفظ الأمراء والأرستقراطيون (النبلاء) بقدر كبير من الاستقلال عن الحكومة المركزية للملك. إمتلكوا الأراضي الشاسعة، وساهموا بخدمة عسكرية للملك، وقاموا بحماية التابعين لهم والحصول علي عمالتهم وجزء من إنتاج الأرض. تعرض الفلاحون إلى الإيجارات الباهظة والتزامات العمل المُرهق. توقفت المحاكم عن تحقيق العدالة للسكان، وأصبحت أدوات نفوذ للسلطة الأرستقراطية. لقد بدأ تأسيس النظام الإقطاعي في فترة ممالك القوط والفرنجة. لكن، تم الإنهيار الكامل للسلطة المركزية، ونضج النظام الإقطاعي في النصف الثاني من القرن العاشر.
أدت الحاجة إلى الحماية من الغارات المحلية الصغيرة التي ظهرت فجأة واختفت بسرعة إلى ظهور أمراء الحرب المحليين. ظهر النظام الإقطاعي في شمال أوروبا نتيجة لغارات الفايكنج. كان من أقوى دوافع هذه الغارات رغبة العالم الإسلامي في الحصول على عبيد أوروبيين. وقد ظهر النظام الإقطاعي في جنوب أوروبا لأجل توفير الحماية المحلية ضد الغارات الإسلامية.
كان هدف رحلة كريستوفر كولومبوس في عام 1492م التي اكتشف أمريكا هو اكتشاف طريق مباشر إلى جزر الهند الشرقية من أجل الوصول إلى الهند بحرا متجاوز الأراضي الإسلامية لفتح طريق تجاري إلى الشرق. أخذ الغزاة الأوربيون إلى أمريكا ما تعلموه من الخلفاء والأمراء والملوك المسلمين من الممارسات الوحشية التي اشتملت على تدمير كل شيء في طريقهم، إتخاذ العبيد، استعباد العمال، الإعتماد على الوطنيين المقهورين في معيشتهم (التطفل عليهم)، إلخ. قام بمعظم تلك الإنحرافات مغامرون فرديون غير خاضعين لسلطات الملوك والكنيسة.
(ز) إستنتاج
لم يضع الإسلام نهاية لعصر الظلام في أوروبا، بل سببه. جلب الإسلام العصور الوسطى المظلمة في أوروبا. أنهى الإسلام الحضارة الكلاسيكية في أوروبا. ولم يضع حجر الأساس للنهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر. التاريخ المكتوب، بما في ذلك كتابات المؤرخين العرب، والاكتشافات الأثرية يُثبتان بشكل قاطع أن الحضارة الرومانية ازدهرت في أوروبا والشام وشمال أفريقيا حتى ظهور الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي. إنها لحقيقة تاريخية أن الإسلام لم يساهم في تقدم العلم الحديث على الإطلاق. كما أنه لم يحيي الفنون والعلوم في أوروبا البربرية.
بوجه عام، تُسبب الحرب الدمار، وتُؤدي الحروب المتكررة إلى الخراب المستمر. أدى التهديد العسكري الإسلامي المستمر لأوروبا إلى تقوية الروح الحربية بها. إضطر المسيحيون على حمل السلاح للدفاع عن أوربا ضد الإسلاميين المعتدين العازمين على تدميرها، والذي كان من المستحيل تحقيق سلام عادل معهم. أغلقت الحروب والقرصنة الإسلامية البحر الأبيض المتوسط لمدة ألف سنة. علم الجهاد الإسلامي أوروبا المسيحية مبدأ الحرب المقدسة الدخيل على المسيحية. أدى هذا المبدأ إلى الحروب الصليبية.
كل الإتجاهات الرجعية التي انتشرت في أوروبا في القرون الوسطى ظهرت أولا في الإسلام. يشمل هذا التعصب ضد الديانات الأخرى، وانعدام الثقة في المنطق العلمي التحليلي، والعداء تجاه اليهود، إلخ. بينما لم تكن الثيوقراطية الأوروبية في القرون الوسطى نتيجة مباشرة لتأثير الثيوقراطية الإسلامية، ساهم الإسلام في إدخالها إلى أوروبا. تحكم الشريعة الإسلامية بعقوبة الموت للمرتد والمبتدع المسلم. لا توجد مثل هذه العقوبة في المسيحية. لكن تحت التأثير الإسلامي، أنشأ باباوات الفاتيكان مبدأهم الجديد الذي طالب بعقوبة الإعدام للمبتدعين. بالإضافة إلى ذلك، بدأت أوروبا في استخدام التعذيب المُمارس بطريقة روتينية في الأراضي الإسلامية.
إزدهرت الفنون والعلوم في الإمبراطورية الإسلامية لمدة حوالي 150 سنة في العصر العباسي-الفارسي الذي اتسم بالتسامح النسبي. بحلول نهاية القرن العاشر، أدت الحروب والقرصنة الإسلامية المستمرة إلى تدهور أوروبا وتخلفها في العلوم والتكنولوجيا فأصبحت أقل شأنا في هذه المجالات بشكل ملحوظ من العالم الإسلامي. بدأت أوروبا محاكاة ما وجدته في المناطق التي تحت السيطرة الإسلامية. لكن بحلول منتصف القرن الثاني عشر، تقدمت أوروبا المتخلفة وأصبحت على قدم المساواة بالعالم الإسلامي. وبحلول نهاية القرن الثاني عشر، أخذت زمام المبادرة وقادت التقدم الحضاري—قيادة احتفظت بها حتى الآن. يعلن التاريخ أن العلم الحديث هو اختراع مسيحية القرون الوسطى. نشأ المنهج العلمي التجريبي في أوروبا، وليس في العالم الإسلامي، وأثمر الثورة العلمية.
أدى ضعف الإمبراطورية البيزنطية منذ القرن الثاني عشر وسقوط عاصمتها القسطنطينية في عام 1453 للأتراك إلى هجرة العلماء اليونانيين إلى أوروبا الغربية بحثا عن ملجأ. إمتلأت الجامعات الغربية بالفلاسفة والعلماء اليونانيين. أدى ذلك إلى إعادة اكتشاف الفلسفة والأدب الكلاسيكي، وإلى نهضة فكرية وثقافية لا مثيل لها. منذ أواخر القرن الخامس عشر، أصبحت اللغة اليونانية والبحوث الأكاديمية جزءا لا يتجزأ من النهضة الأوربية.
يقدر بعض المؤرخين أن حوالي 75% من الكلاسيكيات اليونانية (أفلاطون، أرسطو، الخ) وصلت أوروبا الغربية بواسطة نسخ بيزنطية. بالإضافة إلى ذلك، وصلت بعض هذه الأعمال أوروبا من اسبانيا. لقد حصلت أوروبا على الجزء الأكبر من الكلاسيكيات من أديرتها والعلماء البيزنطيين، وليس من الأراضي الإسلامية. أتت النسخ اللاتينية لبعض المؤلفات اليونانية (إقليدس ، بطليموس) إلى أوروبا من ترجمات من النسخة العربية. لكن، تُرجمت معظم مؤلفات أرسطو مباشرة من اليونانية. لم يصل التراث اليوناني إلى أوروبا من الأراضي الإسلامية، بل جاء مباشرة إلى الغرب بدون مساهمة هامة للفلاسفة الإسلاميين القلة في انتقاله.
لقد تميز الحجاز، مركز الإسلام، بالركود الثقافي منذ القرن الثامن. لم تنتج مكة عبقريا واحدا في القرون الأربعة عشر الماضية. سحق الحكم الإسلامي التراث الثقافي للحضارات التي استعبدها في نهاية المطاف لاعتباره غير إسلامي. تدمير وإبادة التراث الثقافي هو ما يسعى الجهاد الإسلامي في جميع أشكاله إلى تحقيقه حتى يزيل العقبات التي تحول دون تحقيق الإسلام البدائي للقرن السابع في الجزيرة العربية بحسب اعتقاد الإسلاميين؟ وبذلك قوض العرب المسلمون الحضارة الكلاسيكية وتراثها الأدبي في أوروبا عن طريق الحصار الاقتصادي والقرصنة، في حين أنهم دمروها عمدا وبشكل منهجي في الشرق الأوسط.
سيطرت الإمبراطورية الإسلامية على بلاد الحضارات المتقدمة العريقة المستنيرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر، وبلاد ما بين النهرين، وبلاد فارس، وأجزاء من الهند، وحصلت على ثرواتهم ومعرفتهم. كما حصلت من خلال بلاد فارس على الاكتشافات الصينية والهندية الهامة، بما في ذلك البوصلة والبارود والورق والنظام الحسابي الهندي، الخ. فماذا فعلت بكل هذه المعرفة الوافرة؟ أي عبقرية أتت من الإمبراطورية الإسلامية ما هي إلا آخر صدى للماضي الحضاري الرائع للبلاد المقهورة. العصر الذهبي للغزو الإسلامي ما هو في الواقع إلا المرحلة النهائية للحضارة السابقة المقهورة، التي تنطفؤ تماما بعد بضعة قرون تحت وطأة الحكم الإسلامي الديني القمعي الذي أدى إلى تدهور الشعوب المقهورة المُضطهدة التي كانت مصدر الخبرة والكفائة الفنية والإدارية. الحضارة الإسلامية هي حضارة طفيلية تقتل في نهاية المطاف مضيفها وعائلها. تموت بدون غزوات جديدة.
بعدما جرد الحكام المسلمون الحضارات التي غزوها من ثرواتها المادية والفكرية، ذبل العالم الإسلامي وركدت ثقافته وتدهورت حضارته. ومازال على هذا الحال حتى الآن. بحلول القرن الثاني عشر، ازداد معدل التدهور الفكري والثقافي والإقتصادي في جميع مناطق الحضارات القديمة العظيمة الواقعة تحت الحكم الإسلامي. في الواقع، بدأ انخفاض تعداد سكان مصر، وسوريا، وبلاد ما بين النهرين وشمال أفريقيا انخفاضا هائلا طويل الأمد. هجر السكان مناطق خصبة شاسعة فتحولت إلى قفار، وذلك للهرب من المغتصبين الإسلاميين إلى الحياة الآمنة داخل الجدران الواقية للمدن. استمر هذا التدهور حتى مجيء الأوروبيين في القرن التاسع عشر. إهدار التراث الغني للحضارات القديمة والتدهور الاقتصادي والثقافي والفقر كان النتيجة المباشرة للإديولوجية الإسلامية التي تقدس الحرب والنهب، وترفض المنطق العلمي التحليلي. يؤدي هذا حتما إلى نتيجة واحدة، وهي الإفلاس الثقافي والاقتصادي.
في النصف الأول من القرن العشرين، عاشت معظم الأراضي الإسلامية تحت الحكم الأوروبي. في الوقت الحاضر، الدول الإسلامية متخلفة عن كافة دول العالم في جميع المجالات—القوة العسكرية، والاستقرار السياسي، والرخاء الاقتصادي، والفساد، وحقوق الإنسان، ومحو الأمية، وطول العمر، الخ. يشكل المسلمون نحو خمس سكان العالم. لكنهم يشكلون أكثر من نصف البشر الذين يعيشون في فقر مدقع في جميع أنحاء العالم.