لماذا وُلِدَّت في الإسلام؟
لا يستطيع إنسان أن يعرف أين هو ذاهب إلا إذا علم أولا أين كان وكيف وصل إلى مكانه الحالي (مايا أنجلو).
قائمة المحتويات:
( أ ) خلاصة
(ب) الإنتشار السلمي للمسيحية في قرونها الأولى تناقض مع ضغوط الأسلمة
(ج) طرق الأسلمة: الإضطهاد الإسلامي للمسيحية
(1) الذمة
( د) طرق الأسلمة: هجرة
( ه ) طرق الأسلمة: معدلات التناسل
( و) طرق الأسلمة: عدم الإستقرار السياسي
( ز) ثورات مصرية ضدّ الإمبريالية العربية الإسلامية
(ح) ألأسلمة والإسلام في مصر اليوم
آيات للتأمل من الكتاب المقدس:
"وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يُوحَنَّا
8: 32)؛ "يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: مُبَارَكٌ شَعْبِي
مِصْرُ" (إِشَعْيَاءَ 19: 25 أ)؛ "طُرُقَكَ يَا رَبُّ عَرِّفْنِي.
سُبُلَكَ عَلِّمْنِي. دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي. لأَنَّكَ أَنْتَ
إِلَهُ خَلاَصِي. إِيَّاكَ انْتَظَرْتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ" (المَزَامير
25: 4-5)؛ "عَرِّفْنِي الطَّرِيقَ الَّتِي أَسْلُكُ فِيهَا لأَنِّي
إِلَيْكَ رَفَعْتُ نَفْسِي. عَلِّمْنِي أَنْ أَعْمَلَ رِضَاكَ لأَنَّكَ
أَنْتَ إِلَهِي" (المَزَامير 143: 8 ب-10 أ).
( أ ) خلاصة
لماذا وُلدَّت في الإسلام؟ لإجابة هذا السؤال الأساسي نقدّم التحليل التالي الذي يستند على حقائق تأريخية واقعية. الحقائق التاريخية في هذا التحليل مأخوذة من تاريخ الإسلام في مصر، الذي هو نموذج لانتشار الإسلام في البلاد المسيحية المحتلة تحت الإضطهاد الإسلامي للمسيحية.
إنّ الإجابة الفورية لهذا السؤال أنّك وُلدّت في الإسلام لأن أبويك كانا مسلمين عند ولادتك. علي الرغم من أنّ الإيمان لا يُورّث، للمعتقدات الدينية للعائلة المباشرة تأثير قوي يوجّه ويشكّل معتقدات الشخص الدينية، وموقفه تجاه الأنظمة الدينية الأخرى. هذا التاثير أقوي في الإسلام لأن سلطة الحكومة الإسلامية في البلد الإسلامي تفرض قاعدة الشريعة الإسلامية التي تجعل الشخص المولود لأبوين مسلمين يُسجّل كمسلم في سجلات الولادة الرسمية. لكن هذا فقط بداية الطريق. بعد ذالك، تقوم الدولة الإسلامية ببرنامج مُركّز من تلقين الإسلام للصغار بواسطة المساجد، المدارس العامّة، وأجهزة الإعلام (راديو، تلفزيون، صحافة، ومنشورات مختلفة). تقوم الحكومة الإسلامية بتمويل، والسيطرة علي، كلّ هذه الأجهزة. الأهداف الرئيسية لبرامج الأسلمة هي أسلمة الشعب والقضاء على الثقافة المسيحية الوطنية. تنكر برامج الأسلمة حقائق التاريخ وتزيفها وذلك بتقديم ألف سنة من الجهاد الإسلامي العسكري العنيف الدموي، الذي أدى إلى انتشار الخراب والنهب والقتل وانتهاك الحرمات، كسلسلة فتوحات سلمية رحبت بها الشعوب المقهورة!
برامج الأسلمة تطمس وتخفي تاريخ الحضارات التي سبقت الإسلام مثل الحضارة الفرعونية والقبطية (المصرية المسيحية) والحضارات السريانية والأشورية والفينيقية. على سبيل المثال، تم إزالة التاريخ القبطي من القرن الأول إلى القرن السابع الميلادي من المناهج والكتب الدراسية للمدارس الحكومية لعشرات السنين حتى عام 2002. في عام 1868م، نشر الشيخ المصري الرفاعي الطهطاوي تاريخ مصر محتويا على ماضيها الفرعوني بالكامل. حتى ذلك الحين، تاريخ مصر، بحسب تشويه الإسلاميين له، قد بدأ بالغزو العربي. تحدى تاريخ الحضارة الفرعونية البهية العقيدة الإسلامية الرسمية بأن ما قبل الإسلام كانت حقبة همجية من الجهل لا تستحق الذكر والدراسة. هذه إمبريالية ثقافية. وصل العداء للحضارات السابقة للإسلام لدرجة أنهم، في عهد الحاكم بأمر الله (996-1021)، قاموا بتشويه وجه أبي الهول وكسروا أنفه. كما قد استخدم حكام عرب مسلمون الحجر الجيري الذي كان يغطي أهرام الجيزة في مشاريع البناء المختلفة التي قاموا بها. تخترع برامج الأسلمة تاريخ خيالي مزيف وتنشره لمدح ولتمجيد الفتوحات العربية الإسلامية وللادعاء بتفوق الحضارة الإسلامية رغم أدلة تاريخية مناقضة.
تقوم أيضا هذه البرامج بأسلمة المناهج الدراسية بملئها بآراء ضد المسيحية واليهودية. كما تقوم بحملة افتراءات على، وطعن في، المسيحية وتعاليمها وكهنتها مستخدمة وسائل الإعلام المختلفة والجوامع والمدارس حيث تدعي أن غير المسلمين كفار محتقرون ومُزدَرى بهم في وطنهم. يؤدي هذا إلى جو من الكراهية والسخرية والتزمت ضد غير المسلمين.
لنفس هذه الأسباب، وُلد أبويك وأجدادك مسلمين. وهكذا إلي أن نصل إلي أجداد أجدادك الذين لم يولدوا مسلمين. هم كانوا مسيحيين. كانوا مسيحيين وُلِدوا لآباء مسيحيين. كان الشعب المصري بكامله مسيحي عشية الغزو العربي الإسلامي في عام 640 ميلادية. هذا يعني أن تراثك القديم مسيحي، ليس إسلامي. هؤلاء الأجداد القدماء الذين كانوا ضعفاء في إيمانهم المسيحي، إعتنقوا الإسلام تحت ضغوط كثيرة. تغيير الديانة تحت ضغوط لا يُعتبر تغييرا شرعيا، لأنه ليس مؤسسا على إعتقاد عميق والتزام حقيقي بدين أو عقيدة مختلفة. وإنّما يتم لتجنّب إمّا إضطهاد إقتصادي أو تعذيب جسدي، أو للحصول علي منفعة مادية، أوبدافع الزواج.
بعد عصر الفاطميين، لم يكن الإرتداد عن الإسلام مسموحا بعد إعتناقه. طبّقوا الشريعة الإسلامية التي تقضي بعقاب الإعدام للمرتد عن الإسلام. يقول لنا تاريخ العصر الفاطمي أن كثيرين من أجدادك عادوا إلي المسيحية عندما سُمِح بهاذا بدون إضطهاد. ربّما أنك تفكّر في هذا لنفسك في المستقبل.
لذالك، إذا أمكن إعادة عقارب الزمن للماضي، وأُزيلت عوامل الضغط والإضطهاد من التاريخ الحزين لمصر تحت الحكم الإسلامي، لكنت قد وُلِدت لأبوين مسيحيين. وعلى الأرجح كنت تختار أن تبقى مخلصا وأمينا لحبيبك المسيح للأسباب نناقشها في هذا الموقع على الشبكة العالمية.
ترْك أجدادك القدماء للمسيحية واعتناقهم للإسلام حدث تحت ضغوط واضطهادات، لهذا لم يكن قانونيا صحيحا. إعتناقهم الإسلام تحت ضغوط كان السبب أنك مسلم اليوم، لذلك فإنه من واجبك ومن حقك كشخص مسئول حرّ أن تتساءل وتعيد النظر في وضعك كمسلم، وتلقي نظرة جديدة للمسيح بعقل مفتوح محايد غير متحيّز خالي من روابط أيّ أفكار سابقة، وتقرّر وتختار إذا كنت تريد أن تبقى مسلما، أو ترجع إلى مسيحك المتروك، وبذلك تستعيد خلاصك الأبدي، وتستردّ تراث آبائك المفقود وشخصيتك الوطنية لمصر الخالدة. "ثم ان طلبت من هناك الرب إلهك تجده إذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك" (تثنية 29:4). "هاأنذا واقف على الباب واقرع. إن سمع احد صوتي وفتح الباب ادخل اليه واتعشى معه وهو معي" (رؤيا يوحنا 20:3).
(ب) الإنتشار السلمي للمسيحية في قرونها الأولى تناقض مع ضغوط الأسلمة
من المهم تأكيد الإختلاف الكبير بين إنتشار المسيحية في مصر في العصر المسيحي الأول (الثلاثة قرون الأولى للمسيحية)، وبين وسائل الأسلمة تحت ضغوط واضطهادات مختلفة أثناء القرون الأربعة عشرة الماضية. على خلاف الإسلام، لم تعتمد المسيحية في قرونها الأولى على إمبراطورية أرضية لنشرها بالتوسّع المسلّح. إنتشر الإسلام بالغزو المسلح (الفتح) وقوة السيف. رفض السيد المسيح مملكة دنيوية في هذا العالم (إنجيل يوحنا 15:6؛ 36:18). لم ياتي المسيح لتأسيس إمبراطورية دنيوية في هذه الحقبة الزمنية، لكنه أتى ليؤسس مملكة الله الروحية ، بداية الخليقة الجديدة. أجدادك القدماء الذين تحوّلوا إلى المسيحية من الوثنية لم يفعلوا هذا تحت ضغوط. إعتنقوا المسيحية بسبب إقتناع فكري، إيمان عميق، إلتزام، ومحبة قوية للمسيح. السيد المسيح ورسله لم يرسلوا جيشا غازيا لفتح مصر ، ليستولى على الحكم والسلطة، ويحوّل البلاد إلى المسيحية. بدلا من ذلك، أرسلوا مبشرين مسالمين غير مسلّحين لتعليم إنجيل السيد المسيح. من أشهر أولئك المبشرين القديس مرقس الذي إستشهد في الأسكندرية على يد الوثنيين في سنة 68 ميلادية.
لقد مدح عباس محمود العقاد، الكاتب المصري الكبير، قوة المسيح ورسله بأسلوبه الرائع في كتابه "عبقرية المسيح،" ص. 151، 145، 146 قائلا:
"من الحق أن نقول أن معجزة المسيح الكبري هي هذه المعجزة التاريخية التي بقيت على الزمن ولم تنقض بانقضاء أيامها في عصر الميلاد. .. رجل ينشأ في بيت نجار في قرية خاملة بين شعب مقهور، يفتح بالكلمة دولا تضيع في أطوائها دولة الرومان ولا ينقضي عليه من الزمن في إنجاز هذه الفتوح ما قضاه الجبابرة في ضم إقليم واحد. قد يخضع إلى حين ثم يتمرد ويخلع النير. ولا يخضع كما خضع الناس للكلمة بالقلوب والإحساس."
"لم يحدث قط إقبال كذلك الإقبال الجارف الذي تلقى به الناس رسل المسيحية. لأنهم تلقوهم بنفوس مقفرة متعطشة ونظروا أمامهم فرأوا قوما مثلهم يؤمنون غير مكترثين لما يصيبهم وغير مُتهمين في مقاصدهم، فأصغوا إليهم وآمنوا كإيمانهم، ولولا ثقة المسيح بهذا الإقبال لما أوصى تلاميذه أن يذهبوا حيث يستمع لهم وينفضوا عن أقدامهم غبار كل بلد يتلقاهم بالصدود والنفور."
كان المسيحيون المصريون في القرون الأولى للمسيحية ثابتيين في إيمانهم المسيحي ومحبتهم للمسيح لدرجة أنّ كثيرين منهم فضلّوا العذاب والموت تحت نير الإضطهاد الروماني الدامي على ترك المسيح، كان إضطهاد الإمبراطور الروماني دقلديانوس في القرن الرابع الميلادي (311-305) أكثر هذه الإضطهادات وحشية. لكنه فشل في منع المسيحية من الإنتشار. تجاوز عدد المسيحيين المصريين الذين ضحّوا بحياتهم واستشهدوا في هذا الإضطهاد 800,000 شهيدا. بسبب شدّة هذا الإضطهاد، السنة الأولى في التقويم القبطي هى سنة تتويج الإمبراطور الروماني دقلديانوس في عام 284 ميلادية. تغيير الديانة المؤسس على الإختيار المسئول للإرادة الحرة للشخص والإعتقاد القوى والإقتناع الكامل بالمسيح هو تغيير صحيح وشرعي.
حقا إنها لمأساة أن كثيرا من المسيحيين في تلك القرون القاسية من الحكم العربي الإسلامي تحوّلوا إلى الإسلام بسبب الإضطهاد الإسلامي الدائم من قبل العرب المسلمين الغزاة للمصريين الذين رفضوا في البداية أن يتحوّلوا إلى الإسلام. بينما كانت هذه الإضطهادت أحيانا عنيفة ودامية، معظم الوقت كانت إضطهادات إقتصادية على هيئة ضرائب مختلفة مثل ضرائب الخراج على الأراضي والجزية (سورة التوبة 29:9). هذا بالإضافة إلى فديات ثقيلة دورية فرضها الحاكم المسلم لتمويل حروبه وحكمه. العائلات الفقيرة التي لم تكن قادرة على دفع الجزية أجبرت على تسليم أطفالها الأبرياء إلى الحكّام المسلمين كوسيمة لدفع الجزية. فكان الحكّام المسلمون يبيعون بعضهم كعبيد إلى عائلات مسلمة تجبرهم على إعتناق الإسلام. وكانوا يرغمون البعض الآخر من هؤلاء الأطفال الأبرياء على إعتناق الإسلام ثم يجعلونهم يحاربون حروبهم لهم. كان الإضطهاد الإقتصادي أيضا يؤدي إلى طرد مسيحيين مصريين من وظائفهم الحكومية إذا رفضوا إعتناق الإسلام. هذه هي الطرق والوسائل التي جعلت كلّ مسلمي مصر يعتنقوا الإسلام. هم لم يعتنقوا الإسلام إختيارا وطوعا.
إنّ المسلمين المصريين اليوم ولدوا في عائلات مسلمة لأن أجدادهم القدماء إمّا أُرغموا علي إعتناق الإسلام بالإضطهاد والإجبار، أو إعتنقوا الإسلام للحصول على مكسب مادي (للحصول على عمل حكومي، الخ)، أو للإحتفاظ بالثروة العائلية (الشريعة الإسلامية تقضي بأنه إذا إعتنق شخص الإسلام، تئول ثروته بعد وفاته إلى شخص آخر من عائلته يكون قد إعتنق الإسلام أيضا. لا يمكن أن يرثه شخص مسيحي من العائلة)، أو أخذوا كعبيد عندما كانوا أطفالا ونشئوا في عائلات إسلامية، أو جدّاتهم القدماء أُغتُصبن بواسطة جنود أو رجال قبائل عرب مسلمين من الغزاة وأُجبرن أن يصبحن محظياتهم. من المعروف أن محمد سمح للرجال المسلمين بأخذ محظيات (سورة الأحزاب 50:33؛ سورة النساء3:4, 24)، وهو نفسه قد إتخذ عددا من المحظيات بالأضافة إلى زوجاته. هذا النظام الغير إنساني يحتقر ويهين المرأة.
هذه الطرق ذاتها تستعملها اليوم الحكومة الإسلامية للسودان ضدّ مسيحيي السودان. طرق مشابهة تُستعمل في مصر اليوم على مدى أقل لإجبار المسيحيين للتحوّل إلى الإسلام (تفضيل المسلمين على المسيحيين في الأعمال والترقيات، إختطاف البنات المسيحيات القاصرات واغتصابهن، الخ. ). التاريخ يكرّر نفسه. كما تعرف، نتيجة هذا أنّ وجه مصر قد تغيّر وتشوه من أمة مسيحية إلى أمة إسلامية بها أقلية مسيحية مضطهدة.
إنتهى الحكم الإستعماري العربي الإسلامي منذ زمن طويل لكنه ترك خلفه الإسلام واللغة العربية. إغتصب الإستعمار العربي الإسلامي روح مصر وشخصيتها. بالطبع هذه الحقائق التأريخية لا تُعلّم في مدارس مصر حيث يعطون صورة مشرقة بهية للحكم العربي الإسلامي. الحقيقة مخفية لأسباب سياسية ودينية. هذا جزء هام من برنامج الأسلمة في محاولة تلقين عقول مسلمين مخدوعين حسني النيّة مثل تلقين آلة حاسبة. هذا التلاعب هو جريمة إنتهاك إنسانية الشخص الذي خلقه الله علي صورته (التوراة تكوين 26:1-27).
(ج) طرق الأسلمة: الإضطهاد الإسلامي للمسيحية
ما يلي هو مناقشة قصيرة لطرق الإجبار والضغط التي إستعملها الحكّام المسلمين لمصر على مدى القرون الماضية لإدخال الإسلام في مصر وأسلمة سكان مصر.
بلغت الأسلمة ذروة عنفها في فترتين من تاريخ مصر: في بداية حكم العباسيين في القرن التاسع الميلادي بعد فشل الثورات المصرية ضد الحكم العربي الإسلامي، وفي عهد دولة المماليك البحرية (1250-1390). في هذين الفترتين من تاريخ مصر، إنتشرت أعمال العنف ضد المسيحيين المصريين التي قام بها غوغاء من عامة المسلمين.
تميّز العصر الإسلامي المبكّر بدرجة من التسامح الديني، والعدالة الإجتماعية. لكنه حدثت إضطهادات شديدة في أثناء حكم الأمويين، وبعض الحكّام العباسيين، والخليفة الفاطمي الحاكيم بأمر الله (سجن، تعذيب، تشويه، قتل، وتحطيم كنائس). الإضطهاد الإقتصادي إستمرّ طوال الحكم الإسلامي من العصر الإسلامي المبكّر إلى أن توقّف في القرن التاسع عشر.
نظر الغزاة العرب المسلمون إلى مصر كبقرة سمينة أرادوا حلبها واستغلالها. كان مطلوب من كلّ المسيحيين الذكور البالغين سن الرشد السليمي الجسم، بإستثناء رجال الدين والرهبان، دفع ضريبة الجزية (التوبه 29:9). أُجبرت العائلات الفقيرة التي لم تكن قادرة على دفع ضربة الجزية على تسليم أطفالها للحكام المسلمين لوفاء الجزية. فرض حاكم مصر الأموي عبد العزيز إبن مروان (685-705) ضريبة الجزية على رجال الدين والرهبان المسيحيين أيضا. تحوّل المسيحيون الضعيفوا الإيمان إلى الإسلام لكي يتجنّبوا العبء المالي لهذه الضريبة. أدّى هذا إلى هبوط دخل الحكام المسلمين. كان الحاكم المسلم يرفع الضريبة لدرجة أكبر على المسيحيين الذي رفضوا ترك إيمانهم بالسيد المسيح لكي يعوّض النقص في دخل الحكومة الإسلامية. وهكذا حتى وصل الأمر إلى أن حاكم مصر الأموي عبد الله إبن عبد الملك (705-709) أمر بعدم السماح بدفن أي شخص مصري مسيحي بعد وفاته إلى أن تدفع عائلته ضريبته حتى لو كان قد مات جوعا. لم يسمح الحاكم العثماني لمصر بدفن الأب البطريرك القبطي ماتاؤس الرّابع في سنة 1675 إلى أن جمع مبلغ كبير من المال من المسيحيين.
بالأضافة إلى الجزية، كان المطلوب من الفلاح المصري دفع الخراج (ضريبة الأرض) ليحصل على حقّ زراعة أرضه التي استولى على ملكيتها الحاكم المسلم (الحشر 59: 6-7؛ مسلم 4363.19). حينما إحتاج الحاكم المسلم إلى أموال إضافية لتمويل حروبه، أو لأيّ هدف آخر، لجأ إلى الإبتزاز من المصريين المسيحيين (أهل الذمة). كان يقوم بسجن وتعذيب زعماء الكنيسة حتى يحصل على الفدية من المسيحيين. من البديهي أن نظام الضرائب الثقيلة، والغرامات الثقيلة الدورية، ومصادرة أملاك الكنيسة أدت إلى فقر المسيحيين تحت الحكم العربي الإسلامي، وجعل حياتهم اليومية صعبة، مما أدّى إلى الفساد والضعف في الكنيسة.
لجأ جباة الضرائب إلى وسائل قاسية في جباية الضرائب. في أظلم عصور الاضطهاد، صاحب جباية ضريبة الجزية إهانة وإذلال الشخص المسيحي. فكان عامل الجزية المسلم يلطم المسيحي على صفحة عنقه أو على رأسه قائلا: أد الجزية يا كافر. فيعطيه المسيحي مال الجزية بذل وانكسار ورأسه منكسة إلى أسفل وظهره منحنيا بينما يشده جابي الضريبة من لحيته.
أستخدمت وسائل مختلفة لإهانة وإذلال المسيحيين واليهود في العصر الإسلامي في مصر مثل إلزام المسيحيين بارتداء ملابس خشنة ذي ألوان معينة وحزام خاص لتمييزهم من المسلمين، إلزامهم باستخدام الحمار أو البغل في التنقل بدلا من الحصان وبأن يقفوا ليدعوا المسلم يمر، وإلزامهم باستخدام أجراس صغيرة تعلن عن وجودهم في الحمامات العامة. لم يكن مسموحا لشعب مصر المقهور أن يحمل سلاحا. كانت عقوبة ذلك الموت أو العبودية. كان دفاع المصري عن نفسه ضد مسلم مهاجم يُعتبر اعتداءا على المسلم. كان من حق الجندي العربي المسلم أن يقيم في أي منزل مصري يختاره في فصل الربيع من كل عام فيما يسمى بالارتياع، أي استمتاع الغازي بالربيع. كان يعيش في المنزل مع العائلة المصرية بدون اصطحاب زوجاته وبدون إذن رب البيت. وكان كثير من الجنود العرب المسلمين يغتصبون نساء البيت المصريات. لم يكن مسموحا للمصري المسيحي أن يشهد في المحاكم الإسلامية. لهذا اضطر أن يشتري براءته برشوة الشهود المسلمين والقاضي المسلم.
فيما عدا بضعة إستثناءات، خصوصا في العصر الفاطمي، لم يكن مسموحا للمسيحيين أن يقوموا ببناء كنائس جديدة تحت الحكم الإسلامي. في الواقع، قام مروان الثاني (744-750)، آخر خليفة أموي، بسلب وتدمير كنائس وأديرة كثيرة في مصر. كما أمر الخليفة المهدي (775-785) ثم الخليفة هارون الرشيد (786-809) بتدمير كل الكنائس في الإمبراطورية العباسية المبنية بعد الغزو الإسلامي.
باستثناء بضعة سنوات في عهد الحاكم بأمر الله، تمييز عصر الفاطميين (969-1171) بإضطهادات أقلّ كثيرا من العصور الإسلامية الأخرى. فقد سادت فيه العدالة الإجتماعية. لذالك يعتبر العصر الذهبي للمسيحية الوطنية في مصر تحت الحكم الإسلامي. سمح الفاطميون للمسيحيين بالإحتفال بأعيادهم الدينية علنا في الشوارع. واعتاد المسلمون أن يشاركون في مواكب الإحتفالات الدينية المسيحية في مصر -- فهذا كان تراثهم الوطني. كما سمح الفاطميون للمسيحيين بإعادة بناء كنائسهم. وسمحوا لؤلئك الذين أنكروا إيمانهم المسيحي تحت ضغوط الإضطهادات بالرجوع إلى الإيمان المسيحي بدون عقاب. كما سمحوا للمسلمين باعتناق المسيحية بدون العقاب.
قام الحاكم بأمر الله (996-1021) بإضطهاد مسيحيي مصر والشام لمدّة تسعة سنوات في عهده. لم يسمح للمسيحيين بإقامة شعائرهم الدينية في كنائسهم. أمر بتدمير أكثر من 30,000 كنيسة. وأصدر أمرا بإحراق كنيسة القيامة بالقدس. وتم تخريب قبر المسيح عام 1009. كما أنه قتل عددا عظيما من الكهنة، وصادر أملاك الكنائس والمسيحيين. وضع البطريرك القبطي زكريا في جب أسود جائعة لقتله، لكنّهم لم يفتكوا به لأن الرب قد حماه. فأفرج عنه. بالإضافة إلى هذا، فرض قواعد مُذلّة على المسيحيين: فكان عليهم أن يرتدوا الملابس السوداء، وكان على كل رجل مسيحي أن يعلق حول عنقه صليب خشبي يزن خمسة أرطال، وكان على المسيحيين أن يركبوا الحمير بدلا من الخيول، إلخ. هذا كان أشد إضطهاد عانته المسيحية في مصر والشام تحت الحكم الإسلامي العربي. غير الحاكم بأمر الله سياسته نحو المسيحيين قبل موته بسنوات قليلة. فأعاد لهم الأملاك المصادرة وسمح لهم بإعادة بناء كنائسهم وأديرتهم. كانت صداقته الجديدة مع راهب قبطي يدعى بيمين سبب هذا التغيير الجذري. كان هذا الراهب قد تحوّل إلى الإسلام تحت ضغط الإضطهاد. إلا أن ضميره قد أنبه لخيانته لمسيحه. فاقترب من الخليفة وأعلن إليه بأنّه سيعود إلى السيد المسيح حتى إذا أدى هذا لقتله. بدلا من أن يأمر الحاكم بأمر الله بقتله إحترم شجاعته وإخلاصه، فصادقه، وسمح له ببناء دير، حيث كان يزوره ويقضي وقتا مع الرهبان للحديث والأكل والشرب معهم.
إزداد إضطهاد المسيحيين في عصر الحملات الصليبية والمماليك. بدأت الحملات الصليبية (1096-1292) بهدف السيطرة على الأراضي المقدّسة لحماية الحجاج المسيحيين والأماكن المسيحية المقدسة في فلسطين. لكن رغم أن دافعها في البداية كان الدفاع عن المسيحية، أدت إلى إضعاف المسيحية الشرقية. كان المسيحيون الشرقيون يشكلون أغلبية السكان في بعض المناطق في القرن الحادي عشر. بعد الحملات الصليبية، إنخفضت المسيحية الشرقية إلى ديانة الأقلية في وطنها الأصلي. وهكذا كانت الحملات الصليبية من الكوارث الأعظم التي حلت بالمسيحيين الشرقيين في أوطانهم. نظر المسلمون بارتياب إلى المسيحيين المحليين، إذ خافوا أنهم قد يساعدوا الصليبيين. لم يفهموا الإختلافات بين المسيحية الشرقية والغربية. لذا، إشتدّ إضطهاد المسيحية الوطنية كثيرا. فازدادت الضرائب وعنف الغوغاء من المسلمين ضدّ المسيحيين. من الناحية الأخرى، إضطهد الصليبيون المسيحيين المحليين لدرجة أنهم منعوا المسيحيين المصريين من زيارة الأراضي المقدّسة التي سيطروا عليها. لكن الأيوبيين، الذين كانوا قد حطّموا الكاثدرائية القبطية الكبيرة للقديس مرقس في الأسكندرية، أعطوا الكنيسة القبطية دير السلطان في القدس بعد إسترداد القدس في عام 1187. عندما غزا الصليبيون مصر، قتلوا عشوائيا مسلمين ومسيحيين على حدّ سواء. كانت غزوات الصليبيين للفتح والقهر، ليس لتحرير المسيحيين المضطهدين.
إنتشرت جمعيات إسلامية متعصبة في القطر المصري منذ القرن الثالث عشر الميلادي. كان تأثير هذه الجمعيات يسيطر على عامة المسلمين في عصر المماليك الذي تميز بالاضطرابات والمؤامرات وعدم الاستقرار. كانت هذه الجماعات تحرض وتهيج عامة المسلمين وتقودهم إلى ارتكاب أعمال عنف شديدة ضد المسيحيين المصريين العزل في كافة أنحاء القطر المصري. تفشت وازدادت أعمال العنف من تدمير الكنائس وقتل المسيحيين وسلب ممتلكاتهم في أعوام 1283، 1293، 1301، 1321، 1354. المصادرة المتكرّرة لأملاك وأوقاف الكنيسة وإغلاق الكنائس، ماعدا كنائس الأديرة، حدثت في عصر المماليك. كثر طرد المسيحيين من وظائفهم الحكومية لإسترضاء الغوغاء من المسلمين، وللضغط على المسيحيين المصريين لأسلمتهم. سجن وتعذيب الأبّ البطريرك القبطي حدث من وقت لآخر. من أشد اضطهادات عهد المماليك الاضطهاد الذي حدث في عهد السلطان محمد ابن قلاوون في أوائل القرن الرابع عشر (1310-1341). إرتكب الغوغاء من المسلمين الذين أثارتهم الجماعات الإسلامية المتطرفة ودعمهم أمراء المماليك أعمال عنف وحشية ضدّ المسيحيين المصريين بتحطيم الكنائس، ونهبها، وقتلهم. ولعجز السلطان عن حفظ الأمن أصدر قرارا بأنّ من يقتل مسيحيا يحصل على ممتلكاته؛ وأمر بنظام الملابس المختلفة لتمييز المسيحيين واليهود من المسلمين.
هذا النمط من الإضطهاد الذي تميز بالعنف الفوضوي للغوغاء من عامة المسلمين الذين أثارتهم الجماعات الإسلامية المتطرفة ودعمهم أمراء المماليك استمر في فترة حكم المماليك لمدة أكثر من 250 سنة (1250-1517)، وبلغ ذروته في عصر المماليك البحرية (1250-1390). وصل هذا العنف الفوضوي الشديد للغوغاء من المسلمين إلى درجة مهاجمة مقابر المسيحيين وأخذ منها بقايا جثث الموتى لإستعمالها كوقود للنار. كرهت الطبقات الإسلامية السفلى المسيحيين بدافع الحسد لأن العديد من المسيحيين إرتفعوا لمراكز عالية في الحكومة نتيجة لعملهم الشاق؛ وبعضهم كانوا أغنياء؛ وبعضهم عملوا في جباية الضرائب. المسيحية المحلية في كلتا مصر والشام عانت بشدّة في عصر المماليك. إنتشر إعتناق الإسلام تحت ضغط الإضطهاد المستمر؛ وفقد المسيحيون رخائهم الإقتصادي. عند نهاية القرن الخامس عشر قلّ عدد المسيحيين حتى أصبحوا أقلية في وطنهم.
الإضطهاد المُتقطّع أثناء العصر العثماني الذي دام حوالي أربعة قرون شابه إضطهاد عصر المماليك. كان التركيز على الإضطهاد الإقتصادي بواسطة الضرائب الباهظة والغرامات. كان على كل بطريرك أن يدفع رسوم باهظة إلى السلطان قبل تنصيبه. لم يستطع البطريرك جمع الأموال المطلوبة بنفسه. لذلك، اضطر أن يفرض رسوما على كل أسقف جديد قبل تنصيبه في إبراشيته. لجأ الأسقف إلى جمع الرسوم المطلوبة من رعيته في نهاية المطاف. إستغل الأتراك هذه الفرصة المربحة، وفرضوا إعادة انتخاب البطريرك تكرارا كل بضعة سنوات. نظام الملابس والتنقل المختلفة (ركوب حمير، ليس خيول) فُرض أحيانا. الإستيلاء على الكنائس وتحويلها إلى مساجد إستمرّ. قبضوا على الأطفال المسيحيين الأبرياء وحوّلوهم بالقوّة إلى الإسلام، وأدرجوهم في القوات الإنكشارية التركية. قتل الأتراك مئات آلاف من المسيحيين الأرمن من سنة 1895 إلى سنة 1920
تؤدي الشريعة الإسلامية إلى التمييز ضد غير المسلمين (الكفار). وتشجع المسلمين على إساءة معاملة غير المسلمين بحمايتهم من العقاب.
(1) الذمة
ادخل نبي الإسلام مفهوم الذمة في الإسلام. فبعد قهر اليهود من واحة خيبر في 628، وافق على السماح لهم بالاستمرار في زراعة واحتهم على شرط أن يعطوه نصف منتجاتهم. واحتفظ بحق إلغاء هذه المعاهدة وطرد اليهود عندما شاء. يسمى هذا النوع من المعاهدة "الذمة".
يُشار بإسم "أهل الذمة" إلى الشعوب التي عاشت تحت الحكم الإسلامي ووافقت أن تدفع الإتاوة (الجزية) في مقابل الحماية الإسلامية لهم. تدهوروا في نهاية المطاف إلى أقليات ضعيفة مهمشة في أوطانهم. الشعوب الوحيدة التي نجت من عبودية الذمة الإسلامية هم ألئك الذين نجحوا في مقاومة الجهاد اللإسلامي الإستعماري وهزيمته في النهاية بعد قرون من الكفاح المسلح: وهم مسيحيوا أوروبا وهندوس الهند.
لا يتساوى أهل الذمة (اليهود والمسيحيين، إلخ تحت الحكم الإسلامي) مع المسلمين في الكرامة والحقوق. يعيشون مغلوبين على أمرهم تحت الحكم الإسلامي. الخليفة عمر بن الخطاب (634-644) هو أول من أوضح شروط الذمة. كانت الذمة اتفاقية مفروضة على سكان البلاد المستعمرة. منعتهم من بناء وترميم الكنائس والأديرة والمعابد اليهودية. كما فرضت عليهم ارتداء ملابس تختلف عن تلك التي يرتديها المسلمون. وحظرت عليهم امتلاك الأسلحة، وركوب الخيل، وإقامة الصلبان على الكنائس، وتبشير المسلمين، إلخ. وطالبتهم بدفع الجزية. أدت هذه الشروط المجحفة إلى الإذلال والتحقير العام لغير المسلمين. غالبا ما دفع الذمي الجزية في حفل مهين للاستخفاف به وإهانته. فكان عامل الجزية المسلم يلطم المسيحي على صفحة عنقه أو على رأسه قائلا: أد الجزية يا كافر. فيعطيه المسيحي مال الجزية بذل وانكسار ورأسه منكسة إلى أسفل وظهره منحنيا بينما يشده جابي الضريبة من لحيته. مارس الحكام المسلمون هذا الأسلوب في الأراضي الإسلامية لأكثر من ألف سنة. لم يُسمح للذمي بالزواج من امرأة مسلمة. كانت عقوبة مثل هذا الزواج الموت. وقد مُنع الذمي من المناصب العامة. عانى أهل الذمة تحت الحكم الإسلامي من القهر والمذابح العشوائية والجشع والنهب والابتزاز تحت التهديد بالاضطهاد والاغتصاب والعبودية.
وفقا للمذهب الشافعي للشريعة الإسلامية، يتم إلغاء ميثاق الذمة إذا قاتل الذمي المسلمين، أو رفض دفع الجزية، أو عصى القوانين الإسلامية. كما يتم نقض الذمة إذا انتهك الذمي شروطها الإضافية (إن وُجدت)، بعلاقته مع امرأة مسلمة، أو بتحريض مسلم على ترك الإسلام، أو بقتل مسلم، أو بالتشهير بمحمد وبإلهه. عندما يتم إلغاء الذمة، تنطبق قواعد أسرى الحرب على الذمي فيصبح معرضا إما إلى القتل أو الإسترقاق أو الفداء المالي أو الإفراج. بإنكار حقوق الإنسان الأساسية لغير المسلمين في الأراضي الإسلامية المحتلة، أقر الإسلام الرق على نطاق واسع لم يسبقه مثيل. أصبحت العبودية بأشكالها المختلفة (الجنود العبيد، الحريم العبيد، استرقاق الأطفال، إلخ) أداة قوية لأسلمة الشعوب ودعم المجتمع الإسلامي.
شروط ومتطلبات الذمة مقننة في الشريعة الإسلامية (عمدة السالك o11). أدت الضغوط الغربية على الإمبراطورية العثمانية الضعيفة إلى تحرير أهل الذمة في منتصف القرن التاسع عشر (1856). يتم العمل بالشريعة الإسلامية حاليا في عدد قليل من البلدان الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية وإيران والسودان. لكن تُطبق العديد من بنودها في البلاد الإسلامية. من المثير للدهشة حقا أن مجتمعات الذمي ما زالت في الوجود على الرغم من الضغوط الشديدة عليها على مدى قرون من الحكم الإسلامي.
( د) طرق الأسلمة: هجرة
بدأ الخلفاء المسلمون الراشدون سياسة الاستعمار العربي الإسلامي الاستيطاني للمناطق المحتلة. هاجرت قبائل عربية إسلامية بأكملها من شبه الجزيرة العربية إلى الأراضي المحتلة بحثا عن أراضي خصبة. صادر العرب المسلمون المستعمرون أفضل الأراضي الخصبة من الفلاحين المحليّين، الذين أصبحوا خداما للمهاجرين العرب المسلمين الواصلين حديثا. سلب المهاجرين العرب قرى بكاملها وسيطروا عليها. كان الاستعمار العربي الإسلامي مصحوبا بترحيل بعض السكان الأصليين إلى مناطق مهجورة مسلوبة مخربة حيثما وُجد احتياجا لأيد عاملة. هذا أدى إلى اقتلاع ونفي بعض المسيحيين من وطنهم. أدى هذا إلى تحطيم النسيج الاجتماعي لطبقة الفلاحين. كان المهاجرون العرب المسلمون أقلية مميزة في مصر اختلطت في النهاية بالشعب المصري. هذا يعني أن كل المصريين اليوم، مسلمين ومسيحيين على السواء، من نسل الفراعنة، وليسوا من نسل العرب أو الأتراك الغزاة. كلهم ينتموا إلى الأرض السوداء الطيبة الخصبة لوادي النيل الخالد. هم لا ينتموا إلى رمال الحجاز الصفراء القاحلة. تنساب مياه النيل في دمائهم، وليست مياه بئر زمزم المرة في الصحراء العربية.
هجرة البدو المسلمين الناطقين بالعربية والأسلمة والتعريب الناتج عن ذالك كانت من أهم العوامل في تغيير اللغات المحليّة الأصلية القديمة للأراضي المحتلة إلى اللغة العربية. التغيير كان تدريجيا. التغيير بشكل ملحوظ من اللغة القبطية إلى العربية حدث في مصر في حوالي القرن الثالث عشر. جيوب من المسيحيين الوطنيين المحليين المتكلّمين القبطية إستمرت في بعض قرى صعيد مصر حتى القرن السابع عشر. مرحلة التغيير اللغوي سبّبت صعوبات في الطقوس الكنسية المسيحية حتى تم ترجمتها إلى العربية بعد أن ظهرت الحاجة إلى ذلك. في سني تغيير اللغة كان هناك جزء من المسيحين الوطنيين لم يفهم بعض الصلوات الكنسية. هذا أضعف الكنيسة. أصدر الحاكم الأموي عبد الله إبن عبد الملك أمرا في عام 706 يقضي بأنّ اللغة العربية هي اللغة الرسمية للحكومة في مصر بدلا من اللغة القبطية المحلية. هذا أجبر المسيحيين الذين أرادوا الحصول على وظائف في الحكومة على تعلّم اللغة العربية. قرر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (996-1021) أن أي واحد يستعمل اللغة القبطية في البيت أو الشارع، حتى النساء والأطفال، يُعاقب بقطع لسانه. نتيجة لاضمحلال اللغة المحلية القبطية أمر الأبّ البطريرك القبطي غبريال الثّاني (1131-1145) بأنّ تكون كلّ قراءات العبادة المسيحية باللغة العربية. كان الإسلام وسيلة للسيادة العربية الأجنية الإمبريالية.
بالأضافة إلى الترحيل الإجباري، هاجر بعض المسيحيين الوطنيين هربا من الإضطهاد الإسلامي. هاجر سكان شمال أفريقيا، واليونانيون المسيحيون بمصر إلى أوروبا. كما هاجر بعض الأقباط إلى الحبشة. كثير من الأرمن هربوا إلى الخارج. هرب أغلب سكان غرب آسيا الصغرى إلى الجزر اليونانية وإستانبول. السكّان اليونانيون للساحل الآسيوي للبسفور عبروه إلى الأرض الأكثر أمانا في أوروبا.
( ه ) طرق الأسلمة: معدلات التناسل
معدل التناسل الإسلامي كان أعلى بكثير من معدل التكاثر المسيحي. كان هذا بسبب تعدد الزوجات الإسلامي (يسمح القرآن بأربع زوجات للرجل، وطلاق لأيّ سبب)؛ وإتخاذ المحظيات (سُمِح للرجل المسلم بعدد غير محدود من المحظيات من السجناء والعبيد وأسرى الحروب). كما سُمح للرجل المسلم بالزواج من نساء مسيحيات ويهوديات. كان هؤلاء النساء يحتفظن بأديانهن الأصلية. لكن أصبح أطفال هذه الزيجات المختلطة مسلمين بحسب الشريعة الإسلامية. على العكس من ذلك، كان الرجل المسيحي يتزوج إمرأة واحدة؛ لم يُسمح له بمحظيات؛ ولم يُسمح له بالزواج بنساء مسلمات. كان لابدّ أن يعتنق الرجل المسيحي الإسلام لكي يتزوّج إمرأة مسلمة. بحسب الشريعة الإسلامية، أطفال المتأسلم يصبحون مسلمين إجباريا. عدم التكافؤ الضخم هذا في معدلات الخصوبة أدى إلى تزايد عدد المسلمين بكثير بالنسبة لعدد المسيحيين الوطنيين في الأراضي المحتلة.
السبب الآخر لمعدلات الخصوبة الإسلامية العالية، خصوصا بين الطبقة الغير متعلمة التي كانت تشكل الأغلبية، أن زوجة رجل مسلم تريد إرهاقه بأطفال أكثر حتى يصبح من الصعب له أن يتخذ زوجات أخرى عليها، لأنه لا يستطيع أن يتحمّل العبء المالي الإضافي. لا تقبل زوجة زوجة أخرى لزوجها في حالة تعدّد الزوجات، حتى لو كانت زوجته الأخرى أختها، كما نتعلّم من قصة يعقوب مع زوجتيه راحيل وليئه (تكوين 16:29-24:30). كما أن العائلة الكبيرة تضمن الأمن الإقتصادي للزوجة المسلمة لأنها تحميها من الطلاق. فزوجها محتاج إليها أكثر للإعتناء بكلّ هؤلاء الأطفال. وهكذا نرى أن تأمين الزواج، وتأمين الحالة الإقتصادية للمرأة المسلمة، ومركزها الإجتماعي (تحتلّ المطلّقات مركز إجتماعي منخفض في المجتمعات الإسلامية) أدت إلى أن تطالب بأطفال أكثر وعائلة أكبر.
معدل الخصوبة للمسلمين في أوروبا اليوم (3.5 طفل/امرأة) هو أعلى بكثير من الأوروبيين (1.4 طفل/امرأة).
( و) طرق الأسلمة: عدم الإستقرار السياسي
حكم الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين تميّز بعدم الإستقرار السياسي في الأراضي المحتلة. أثناء 225 سنة (642-868) عيّن الخليفاء 111 حاكم على مصر. ببعض الإستثناءات النادرة، كانت متوسط مدّة حكم الوالي لمصر حوالي سنتين. إنتاب الخليفاء قلق خشية أنه إذا طالت مدة حكم الحاكم المسلم في مصر قد يُقوّي قاعدة سلطته وينفصل من الإمبراطورية ويعلن إستقلاله بمصر. هذا أدى إلى تدهور الإقتصاد المصري. إذ كان الإهتمام الرئيسي لؤلئك الحكّام المسلمين القصيري الأمد هو كيفية إستغلال البلاد وجمع ثروة شخصية بأسرع ما يمكن. لم يكن لديهم الوقت أو الإهتمام لتطبيق خطط تنمية إقتصادية طويلة الأجل.
حدثت قلاقل سياسية في القرن الثاني عشر عندما تدهورت الإمبراطورية الفاطمية بسبب صراع على السلطة بين الخليفة الضعيف ورؤساء الوزارات الأقوياء. ميّز عدم الإستقرار السياسي عصر المماليك (1250-1517) بسبب الصراع على السلطة بين أمراء المماليك. وأيضا ميّز عدم الإستقرار السياسي الحكم العثماني في مصر (1517-1870) خاصة في القرن الثامن عشر بسبب صراع على السلطة بين الحاكم التركي وأمراء المماليك المحليّين، حتى تم إبادة المماليك في مذبحة قلعة القاهرة في عام 1811 الذي دبّره ونفّذه محمد علي. عانى المسيحيون أكثر من المسلمين بسبب هذه القلاقل السياسية. كان الحاكم المسلم يطالبهم بأموال أكثر. كما أدّى عدم الإستقرار السياسي إلى الفوضى التي أدت إلى أعمال العنف للغوغاء من المسلمين ضدّ المسيحيين وممتلكاتهم. إنتشرت الفوضوي في الإمبراطوريات العربية والعثمانية.
( ز) ثورات مصرية ضدّ الإمبريالية العربية الإسلامية
تمرّد المصريون ضدّ الحكم العربي الإسلامي لمصر عدّة مرات بسبب الضرائب الباهظة والإضطهاد الديني. هذه الثورات المسلّحة ضدّ الظلم العربي الإسلامي حدثت أثناء فترة أكثر من قرن (725-831). وعلى الرغم أنّ بعض هذه الثورات حققت نجاحا عسكريا في بدايتها، إنتهت جميعها بالفشل. تبع فشل هذه الثورات دمار منتشر، وأعمال وحشية، وسلب، وأسلمة بالقوة. نستشهد هنا بإثنان من هذه الثورات كأمثلة:
1. في عام 751 الميلادي، رفض البشموريون المصريون المسيحيون دفع الضرائب المتزايدة التي حاول جمعها الحاكم المسلم. فقتلوا جباة الضرائب، وبدأوا تمرّدا مسلّحا في شمال الدلتا. بناء على طلب آخر خليفة أموي مروان إبن محمد، حثّ الأبّ البطريرك القبطي خائيل الثوّار على الإستسلام إلى الحاكم المسلم. رفض الثوّار المصريون طلب الأبّ البطريرك، وهزموا قوّات الحاكم العربي المسلم في المعركتين الأوليتين بزعامة مينا إبن بوقيره. لكنّهم خسروا المعركة الثالثة. لم تستطع القوّات العربية الإسلامية أن تتبعهم في مستنقعات شمال الدلتا. إستأنف الثوّار المصريون ثورتهم المسلّحة باستخدام وسائل حرب العصابات.
2. في 829-31 ميلادية، قام المصريون المسيحيون في كل الدلتا بثورة ضدّ السلطات الإسلامية بسبب الضرائب الباهظة والإضطهاد الديني. إنتشرت الثورة إلى صعيد مصر. كانت هذه أعظم ثورة مصرية في تأريخ مصر تحت الحكم الإسلامي. طلب الخليفة العباسي المامون من الأبّ البطريرك القبطي يوساب أن يهدئ الثوّار. طلب الأبّ البطريرك من الناس الهدوء والطاعة للحاكم المسلم الظالم. أطاعه الجميع ماعدا البشموريين في شمال الدلتا الذين رفضوا نصيحته. أخيرا أخمد المأمون الثورة بمساعدة قواد جيشه الأتراك. تبع الهزيمة حمام دمّوي ودمار واسع الإنتشار في شمال الدلتا. كلّ السكان الباقين على قيد الحياة في تلك المنطقة أزيلوا بالقوة إلى سوريا.
(ح) الأسلمة والإسلام في مصر اليوم
يبذل العالم الإسلامي اليوم جهودا كثيرة لتوجيه الانتباه الدولي إلى إسرائيل والمشكلة الفلسطينية محاولا أن يتناسى ويخفي بالصمت اضطهادات المسيحيين الرهيبة في العالم الإسلامي، التي هي أقسى بكثير من معاناة الفلسطينيين. من أمثلة هذه الإضطهادات الدموية العنيفة في العصر الحديث مذابح المسيحيين في جنوب السودان وتيمور الشرقية وتركيا (مذابح الأرمن المسيحيين من سنة 1895 إلى سنة 1920)، وأعمال العنف التي يقوم بها بعض المسلمين من وقت لآخر ضد المسيحيين في إندونيسيا، نيجيريا، الباكستان، ومصر.
مسيحيوا مصر الوطنيون (الأقباط) مُهمشون في وطنهم. لا يزال العنف الإسلامي ضد كنائسهم وأعمالهم وممتلكاتهم ومنازلهم يندلع من وقت لآخر مما يؤدى إلى تدمير الممتلكات وإزهاق أرواح المسيحيين الأبرياء. بالإضافة إلى ذلك، لا يتم تنفيذ قرارات المحاكم التي في صالح المسيحيين وضد صالح المسلمين. عندما ينادي مصري مسيحي بإنهاء الطائفية، يتهمونه بالطائفية ليسكتونه. يغرس النظام التعليمي في مصر، وخاصة في المدارس الإسلامية، الكراهية ضد أتباع الديانات الأخرى ويدعو إلى طردهم واستئصالهم من وطنهم.
تمت الموافقة على الدستور المصري الحالي بأغلبية 98.1 ٪ في استفتاء 14-15 يناير، عام 2014. إنه خطوة إيجابية تقدمية نحو العدالة والمساواة وحقوق الإنسان. لكنه يحتوي على مواد متناقضة:
1. توضح ديباجة الدستور أنه يتسق تماما مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إذ أنه يتطلب المساواة بين الرجل والمرأة (المادة 11 ) ؛ يستبعد التمييز على أساس الدين والجنس (المادة 53)، و يضمن حرية الدين (المادتان 64 ، 235).
2. على الرغم من ذلك، يؤكد الدستور في ديباجته وفي المادة 2 أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع كما يفسرها مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا.
الشريعة الإسلامية تضطهد النساء وغير المسلمين. كما أنها لا تمنح حرية الدين للمسلمين، لأنها تعاقب بشدة المسلم الذي يترك الإسلام (المرتد). سنرى كيف سوف يفسر ويطبق القضاء المصري متطلبات مواد الدستور المتناقضة. هل سيحكم أن المادة 2 (الشريعة الإسلامية) تبطل وتلغي متطلبات مواد حقوق الإنسان، أو العكس؟
بواسطة المكر والخداع والإغراء، أو عن طريق القوة، يتم اختطاف الفتيات القبطيات، وإرغامهن على البقاء في منازل إسلامية حيث يتم اغتصابهن وأجبارهن على اعتناق الإسلام والزواج من إسلاميين، والانضمام إلى حريمهم. تمول هذه العمليات الدول العربية الغنية بالنفط. ما يشكل أكثر خطورة هو أنه، في غضون أربعة عقود، لم تقدم الحكومة إلى العدالة والمحاكمة أي مشتبه في اختطاف الفتيات القبطيات على الرغم من تعدد هذه الحوادث وخطورة الجريمة.
إن التالي هو ملخص لنتائج تقرير مؤسسة بيت الحرّية الأمريكي الصادر في عام 1999 بشأن الوضع الراهن في مصر حيث يزداد التطرف الإسلامي:
الأقباط مضطهدون من قبل جماعات إسلامية متطرفة وأحيانا من قبل الشرطة المحليّة ومسؤولي الأمن الآخرين. الحكومة المصرية تعوق حرّيتهم في العبادة وتفرق ضدّهم:
1. ليس لدى الحكومة المصرية سياسة لإضطهاد المسيحيين. لكنها تتحيّز ضدّهم، تتحامل عليهم وتعيق حرّية عبادتهم، وتضطهد وكالاتها ومؤسساتها المختلفة المسلمين الذين يعتنقوا المسيحية:
• إعتادت الحكومة المصرية في الماضي أن تفرض قيودا ثقيلة على بناء وإصلاّح الكنائس. لا تفرض هذه القيود على المساجد. سنرى كيف سوف يطبق البرمان المصري الجديد متطلبات مادة 235 للدستور الجديد التي تكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية.
• تُطبق حكومة مصر قوانين وممارسات تفرق دينيا بخصوص تغيير الديانة، الزواج، الأبوّة، التعليم، ورواتب رجال دين.
• تمنع حكومة مصر المسيحيين من المناصب العليا في الحكومة، في السياسية، في الجيش، وفي التعليم. وهناك تفريق متزايد في القطاع الخاصّ.
• تدعم حكومة مصر ماديا أجهزة الإعلام التي تهاجم المسيحية وتحدّد نشاط المسيحيين فى أجهزة الإعلام التي تضبطها الحكومة.
• لا تتّخذ حكومة مصر إجراءات كافية لمنع الإضطهاد والإساءة للأقباط علي المستوى المحليّ، سواء كان الجناة إرهابيين، من العامة، أو من قوّات أمن الحكومة.2. تضايق الشرطة علي المستوى المحليّ المسيحيين وأحيانا تضطهدهم، خصوصا المسلمين الذين يعتنقون المسيحية. وذلك بسبب التعاطف مع، أو الخوف من ، الإسلاميين المتطرفين. في عدّيد من الحالات تواطئت الشرطة المحليّة مع الإسلاميين في الأسلمة القسرية للفتيات القبطيات القاصرات.
3. الإرهابيون الإسلاميون المتطرفون يضطهدون ويخيفون الأقباط بتهديدهم للإبتزاز، بالهجوم عليهم، وأحيانا بقتلهم، خصوصا في المناطق المسيحية بصعيد مصر.
بالمواقع التالية معلومات ودراسات أضافية في موضوع بحثتا هذا:
1. تاريخ أقبــــاط مصــر
http://www.coptichistory.org/