هدية التكفير المجّانية
قائمة المحتويات:
( أ ) الطبيعة البشرية الساقطة
(ب) نعمة الرب: الخلاص
(ج) لماذا ينبغي التكفير عن الخطايا؟
( د) الحصول على، والاستفادة من، هدية التكفير المجّانية
( ه ) رموز لإيضاح الذبائح التعويضية
1. تضحية إبن إبراهيم
2. حمل الفصح
3. نظام الذبائح الحيوانية في التوراة
4. أمثلة من الخليقة
( و) تضحية المسيح لأجل البشر
( ز) الأدلة التاريخية لصلب يسوع الناصري
(ح) إستنتاج
آيات للتأمل من الكتاب المقدس:
"أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ
وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ
تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً" (يُوحَنَّا 15: 5)؛ "لأَنَّهُ
هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ
لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ
الأَبَدِيَّةُ" ( يُوحَنَّا 3: 16).
( أ ) الطبيعة البشرية الساقطة
الخطيئة الأولى كانت عصيان لوصية الله بواسطة أبائنا الأوائل تحت تأثير الشيطان. كان دافعهم للعصيان هو البر الذاتي والصلف (عبادة الذات) لتأليه أنفسهم حتى يصبحوا مثل الله ومستقلّين عنه. تسبّب هذا العصيان في سقوط الجنس البشري من حالة البر الأولى إلى حالة عبودية الخطيئة والفساد والموت.
إنّ جذور الخطيئة في الإرادة الحرّة للإنسان. الشر هو حالة للإرادة البشرية الساقطة فيما يتعلق بالله. الله ليس مصدر الشرّ. مصدر الشرّ في الأرض هو خطيئة البر الذاتي الروحية لملاك رفيع المستوى (إبليس) عندما رغب أن يكون مثل الله بقوّته الشخصية مُنفصلا عن الإله الحقيقي الحيّ: "أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ" (إشعياء 14:14). وهكذا، أصل الخطيئة هو رغبة قوية في التقديس الذاتي بالجهد الشخصي مع رفض عمل وقوة نعمة الله بسبب الكبرياء. لذلك، أيّ ممارسات طقسية من صوم أو صلاة وغسل الجسم عدّة مرات في اليوم، إذا تمت بدون النعمة الإلهية ومحبّة الله في المسيح، هي ليست أكثر من محاولات عقيمة من التقديس الذاتي والتبرير الذاتي التي لا تُقرّب الإنسان إلى الرب الإله. ذلك، لأنها لا تؤدي إلى تغييرات داخلية تنقّي الطبيعة البشرية الفاسدة وتبرئُها وترفع من شأنها. هذه الممارسات في حد ذاتها لا تطهّر الطبيعة البشرية من ميولها وأفكارها الشريّرة. بالعكس، قد تعمّق هذه الممارسات الإفتراق والجفاء بين الإنسان والرب، لأن البر الذاتي يؤدّي إلى التكبر الذي هو خطيئة الشيطان، أصل كلّ الشرور. يفصل هذا الإنسان من الرب ويمنعه من حياة الشركة معه: "وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا" (إشعياء 64: 6).
الأعمال الصالحة لوحدها، بدون حياة شركة قوية مع السيد المسيح نابعة من الإيمان الصحيح في فدائه الكفارى وقيامته، لا تؤدي إلى مغفرة الخطايا: "لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ" (رومية 3: 20). الأعمال الصالحة لا تغطي السيئات. إنها لا تهدئ غضب الله ضد الخطية، كما أنها لا تعوض عن السيئات. لا يمكن للمرء أن ينقذ نفسه من غضب الله بأعماله الصالحة. السيد المسيح هو الوحيد الذي يستطيع أن يحرّر الشخص من قوّة وعبودية الخطيئة، وأن ينقّي ويطهّر ويُبرئ طبيعته الفاسدة الساقطة، ويخلق قلبا جديدا فيه: "إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ألأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً" (2 كورنثوس 5: 17). سقوط آدم أفسد الطبيعة الإنسانية للجنس البشري بأكمله: "وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ" (تكوين 6: 5)؛ "الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (مزامير 14: 3)؛ "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رومية 3: 23، 10-18).
رغم أنّ أحفاد آدم الطبيعيّين لم يشتركوا في خطيئته الأولى ولن يدينهم الله بسببها، هم ميّالون لإرتكاب الخطايا لأنهم وُلِدوا بطبيعته البشرية الساقطة الفاسدة، التي وقعت تحت سيطرة الخطيئة والموت وفقدت نعمة الله التي تُنقي النفس. هذا الميل نحو الشر الموروث من آدم وحواء هو ما يسميه المسيحيون الارثوذكس "الخطيئة الأصلية." ورثوا الطبيعة البشرية الفاسدة التي نتجت من خطيئته الأولى. يشبه هذا طفلا وُلد بمرض تناسلي أصيب بعدواه من أمّه في رحمها. رغم أنّ الطفل الرضيع بريء، هو يقاسي من نتائج السلوك الجنسي الخاطئ الغير مسئول لأمه. لا يُعاقب الإنسان لعصيان آدم. بالأحرى، يرث الإنسان الموت من بذرة آدم المفسدة: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 5: 12). الخطيئة الأولى أدت إلى الحالة الفاسدة للطبيعة البشرية التي وُلدنا بها. الميول البشرية الخاطئة تشمل شهوة جامحة، وحسد، وجشع، وتفاخر، وكراهية، أنانية، وعدم أمانة،إلخ. هذا أدى إلى إقامة حاجز منيع بين البشرية الساقطة والله القُدوّس: "بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ " (إشعياء 59: 2).
تدعم الدراسات العلمية الحديثة في مجال شخصية الإنسان تعليم الكتاب المقدس بأن الإنسان يتميز بطبيعة ذاتية فردية أنانية، وأن هذه السمة منتشرة بالوراثة في الجنس البشري. في هذا الشأن، يشير الكتاب المقدس إلى زمن لم توجد فيه هذه السمة في الجنس البشري.
أدّت الخطيئة الأولى إلى عواقب بعيدة المدى:
1. أدّت إلى حجب وتشويه صورة الإله في الإنسان بدون إزالتها بالكامل. أدى هذا إلى حجب القيم الروحية في عقله.
2. أدّت إلى فقد البر والبراءة الأولى للإنسان مِمّا أدى إلى إنهيار حياة الشركة بين الإنسان الساقط والإله القدوس.
3. أدّت إلى فساد الإنسان الجسدي، الأمراض الجسدية، والشيخوخة، وأخيرا الموت الجسدي الذي سمح الرب به لمنع تخليد الشرّ على الأرض.
4. أدّت إلى فساد الطبيعة البشرية التي بدأت تثور ضدّ الإنسان، وتستعبده. كثرت الرغبات الشرّيرة فيه، كما قال بولس الرسول: "لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. إِذاً أَجِدُ النَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى أَنَّ الشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي. فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ اللهِ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ. وَلَكِنِّي أَرَى نَامُوساً آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هَذَا الْمَوْتِ؟" (رومية 7: 19-24).
5. أدّت إلى إنتشار الموت الروحي (إنعدام حياة الشركة بين الإنسان والرب). فقد الإنسان نعمة الله التي تنقي النفس. إنفتحت الهاوية وأُغلِق الفردوس. إنقسمت الهاوية إلى منطقتين: منطقة عليا—وهي مكان انتظار في حضن ابراهيم؛ ومنطقة سفلى—وهي مكان للعذاب (لوقا 16: 22-23). ذهبت نفوس كل الصالحين الذين ماتوا على مر العصور قبل أن يتم السيد المسيح الفداء الكفاري إلى المنطقة العليا للهاوية. ومكثت هناك تنتظر حتي يكمل السيد المسيح تضحيته الكفارية بموته جسديا على الصليب.
6. أدّت إلى ضعف حرية الإرادة والفكر في الإنسان. يستطيع الشيطان أن يقدم اقتراحات وإغراءات، ولكن ليس لديه القدرة على إجبار شخص على فعل شيء ضد إرادته. نتيجة لضعف الإدراك والإرادة البشرية أصبح الإنسان عاجزا عن تطوير وإنماء حياته الروحية. أعمال الإنسان الصالحة، بدون حياة شركة مع الرب بالإيمان والمحبة، لا تُنقّيه روحيّا، ولا تساهم في خلاصه وتقديسه (التوافق مع صورة الله في المسيح). لا توجد حياة شركة مع الله بدون الإيمان العامل بالمحبة في المسيح.
(ب) نعمة الرب: الخلاص
الخلاص هو عملية النمو التدريجي في النقاوة والقداسة: "وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمَحْبُوبُونَ مِنَ الرَّبِّ، أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ" (2 تَسَالُونِيكِي 2: 13). رحلة الخلاص تبدأ بقبول المسيح كالرب المُخلص الشخصي بالإيمان الصادق المصحوب بالتوبة، حيث يتبرر المؤمن بلإيمان خلال رحمة الرب ونعمته. "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ" (أَفَسُسَ 2: 8-9). يتم خلاص المؤمن بالإيمان التائب الحقيقي، ليس بأعمال صالحة. "لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذاً مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ" (غَلاَطِيَّةَ 2: 21). المغفرة والتبرير يزيلان ذنب المؤمن.
الإيمان الصحيح الصادق هو الاعتماد الكامل الغير مشروط على المسيح والثقة فيه للخلاص. هو حياة متجددة. أنه يشمل الشخص بأكمله، ويتكون من ثلاثة عناصر أساسية ضرورية وهي: (1) عنصر الفكر الذي هو إعتقاد واقتناع عقلي برسالة إنجيل المسيح وقبول عمله الكفاري على الصليب؛ (2) عنصر العاطفة حيث يمتلِئُ القلب بالمحبّة للمسيح: "كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذَلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي" (يوحنا 15: 9)؛ "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ" (متى 22: 37). تؤدي هذه المحبة إلى ثقة كاملة في المسيح المخلص الفادي؛ (3) عنصر الإرادة الذي هو إلتزام قوي وولاء وتسليم كامل لربوبية المسيح. إنه تسليم إرادة المؤمن لإرادة الله بطاعة تعاليم المسيح. ألإيمان الحقيقي الذي يؤدي إلى الخلاص هو طريقة حياة متجددة في علاقة عهد مع الله في المسيح.
الأعمال الصالحة للمؤمن هي التعبير الضروري عن الإيمان الحقيقي الصادق. "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضاً بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ" (يعقوب 2: 26، 21). يُعرف الإيمان من أعماله، كما أن الشجرة تُعرف من ثمرها. يُنتج الإيمان ثماره من خلال المحبة التي تستجيب لحاجة الجار. "فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ" (غلاطية 5: 6).
ألأعمال الصالحة لا تؤدي إلى خلاص الإنسان. الخلاص ليس باستحقاق وجدارة الإنسان. الخلاص بكليته هو عمل النعمة الإلهية عندما تستجيب إلى إيمان التائب الذي يؤدي إلى أعمال المحبة. ومع ذلك، في هذا الفعل للنعمة الإلهية، يحتفظ الإنسان بحرية إرادته. إذ أن نعمة الله لا تُجبر الإنسان. تتعاون حرية الإنسان مع النعمة الإلهية لخلاصه. تعاون الإنسان الحر هو في حد ذاته نتيحة عمل الروح القدس فيه. لا يستطع الإنسان أن يأتي إلى الله، فيأتي الله للإنسان. كما أن السيد المسيح في الآب والآب فيه، ينبغي أن يثبت الإنسان في المسيح وهو فيه (يوحنا 17: 21-23)، حتى ينموا بالنعمة في الله كإبنه بالتبني في المسيح الذي هو إبنه بالطبيعة. يشع بهاء الخواص الإلهية القابلة للتوصيل (مثل الحب، والرحمة، وطول الأناة، والصلاح، والحق، إلخ) من خلال إرادة المؤمن وأعماله. ومع ذلك، لا تتجلى هذه الصفات الإلهية في المخلوقات بكامل ملؤها كما توجد في الرب الإله، ولكن فقط بشكل يتناسب مع القدرات المحدودة للمخلوقات. الله وحده هو الكامل إلى الأبد.
الخلاص هو الحركة نحو التشبه والإمتثال بالمسيح، ونحو الإتحاد مع الله، حيث يشترك المؤمن بالمسيح في حياة الله، ونوره، ومحبّته بنعمة الروح القدس. الخلاص هو عملية تجديد روحي ونمو في النعمة بحياة الشركة الوثيقة مع المسيح، حيث يختبر المؤمن تحوّلا وتغييرا داخليا لتجديد صورة الله فيه تدريجيا. التجدد الروحي (الولادة الجديدة) يؤدي إلى انعكاس جذري للإرادة من حب الذات والماديات المخلوقة إلى الحب الغير أناني لله. يؤدي هذا إلى إنهيار سلطان الخطية، وإلى الحرية المسيحية من الخطيئة (أفسس 4: 23-24). يعيش المؤمن فى حالة خلاص طالما أن هذه العملية مستمرة. هذا يعني أنه إذا مات شخص فورا بعد تبريره بالإيمان التائب خلال نعمة الله بدون فرصة إظهار ثمار الإيمان في العديد من الأعمال الصالحة، فقد نال هذا الشخص الخلاص الأبدي (لوقا 23: 33، 39-43). فداء المسيح فعال بالكامل سواء كان الإيمان ضعيفا في بدايته، أو متقدما قويا (لوقا 23: 43؛ متى 20: 1-16). عملية النمو الروحي هي واحدة من أبطأ الحركات البشرية. إنها رحلة طويلة. ألتقديس عملية تستمرّ إلى الأبد، وتحقق مصير الإنسان.
خلاص النفس له سمتان: سمة سلبية وسمة إيجابية. ألسمة السلبية التي تتبع مغفرة الخطايا، هي المصالحة مع الله والنجاة من الخطيئة والشعور بالذنب الذي يُصاحبها (التبرير). وبذلك، يصبح المؤمن إبنا لله بالتبني. ألسمة الإيجابية هي تجديد داخلي للطبيعة البشرية يشمل النمو الروحي في الحياة الجديدة في المسيح بإرشاد وقيادة الروح القدس للإله الحي. نعمة التقديس هي الميل لعمل الخير. يؤدّي هذا إلى التقديس التدريجي للطبيعة البشرية: "إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً" (كورنثوس الثانية 5: 17)؛ "لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ -خَلَّصَنَا بِغَسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ"(تيطُس 3: 5).
ليس في مقدرة الإنسان أن يحرر نفسه من ميوله الدفينة نحو الشرور. لا يمكن للأعمى أن يجعل نفسه يبصر بمجرد رغبته في ذلك. لا يمكن للميت أن يقرر اختيارا القيام من الموت. لا تستطيع النفس الميتة روحيا أن تتحرك نحو الله بقوتها الذاتية. يحتاج الإنسان إلى معونة إلهية تمكنه من طاعة الله. ينعم الرب بالشفاء على إرادة الإنسان المجروحة ويقويها بروحه القدوس ويهبها المقدرة على طاعته. "وَإِلَهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (تسالونيكي الأولى 5: 23).
خلاص النفس البشرية هو عملية إلهية-بشرية تتطلّب تعاون الإرادة البشرية المحدودة مع النعمة الإلهية اللانهائية. قال السيد المسيح: "هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي" (رؤيا 3: 20). يقرع الرب على باب قلب الإنسان. لكنه ينتظر حتى يفتحه الإنسان لاستقباله. نعمة الله تدعو الجميع، ولكنها لا تُجبر أحدا. يقوم الله بالحركة الأولى نحو الإنسان، لأن خلاص النفس مستحيل بإرادة الإنسان وحدها. عمل النعمة الإلهية يسبق قرار وتعاون الإنسان مع نعمة الله. فإنها تُمكن الشخص من استخدام إرادته الحرة التي وهبها الله له في الاختيار الحر بين قبول أو رفض الخلاص الذي تقدمه نعمة الله في المسيح يسوع. قدرة الإرادة البشرية في الأستجابة للنعمة الإلهية، وتقديم القبول الشخصي للخلاص هو في حد ذاته عطية من النعمة الإلهية. "اُرْدُدْنَا يَا رَبُّ إِلَيْكَ فَنَرْتَدَّ. جَدِّدْ أَيَّامَنَا كَالْقَدِيمِ" (مراثي 5: 21؛ مزمور 80: 19).
هيأ الله نعمة التكفير في المسيح، وأرسل الروح القدس ليحث، ويرشد، ويشجّع، ويقوي، ويقوم بعمل الله خلال المؤمن المستسلم له: "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي (الروح القدس) الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا (المسيح) إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي" (يوحنا 15: 26). بنعمة الله، يقبل المؤمن المسيح بالإيمان التائب، ويثبت فيه بطاعة كاملة له، ويدع الأعمال الصالحة للروح القدس تتم به. قبول نعمة الله والتعاون معها لا يُكسب الإنسان أي أجر.
"إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ وَأَنَا (المسيح) أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ-- رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ" (يوحنا 14: 15-17)؛ "أَنَا (المسيح) الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً. إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي" (يوحنا 15: 5، 10a)؛ "لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ" (تيطُس 2: 11-12؛ فيلبي 3: 12).
الذي يقرّر المصير الأبدي لشخص هو حالته الروحية عند موته. إذا كان يعيش في حياة الشركة مع المسيح في رحلته على درب التنقية والتقديس بنعمة الروح القدس، تستمرّ رحلته بعد موته في وجوده المباشر مع المسيح (لوقا 23: 39-43؛ يوحنا 5: 17). ليس هاما إذا كان في بداية الرحلة أو في مرحلة متقدّمة منها. من الناحية الأخرى، إذا سقط الشخص من نعمة الله وترك حياة الشركة مع المسيح، فمصيره هو إنفصال وجفاء من الله في الظلام والعذاب الأبدي: "إِذاً مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ" (1 كورنثوس 10: 12)؛ "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجاً كَالْغُصْنِ فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ فَيَحْتَرِقُ" (يوجنا 15: 6)؛ "فَإِنَّهُ إِنْ أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ الْحَقِّ، لاَ تَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا، بَلْ قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَأْكُلَ الْمُضَادِّينَ. مَنْ خَالَفَ نَامُوسَ مُوسَى فَعَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَمُوتُ بِدُونِ رَأْفَةٍ. فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِساً، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟ فَإِنَّنَا نَعْرِفُ الَّذِي قَالَ: «لِيَ الاِنْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ». وَأَيْضاً: «الرَّبُّ يَدِينُ شَعْبَهُ». مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ!" (الْعِبْرَانِيِّينَ 10: 26-31).
القواعد والقوانين الأخلاقية لا تستطيع لوحدها أن تنقذ البشرية من الموت الروحي. تحصر وتحدّد القوانين الأخلاقية الخطيئة، وبذلك تُحسّن العالم، لكنّها لا تستطيع إنقاذ العالم من الفساد والإنحطاط الأخلاقي. الطريقة الوحيدة لخلاص البشرية هي تنقّية وتقديس الطبيعة البشرية بإتحادها بخالقها القدوس الخالد النقي، المصدر الوحيد للحياة والصلاح والخير في الكون. يتطلّب هذا حياة الشركة المستمرة في التصاق بالمسيح بالروح القدس. بينما طاعة القوانين الأخلاقية قد تمنع بعض الذنوب، هي لا تستطيع أن تحرّر الإنسان من قيود طبيعته الفاسدة التي تحثّه أن يخطئ: "أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا" (1 تيموثاؤس 1: 15 b). تكلّم السيد المسيح خلال النبي إشعياء قائلا: "رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ" (إشعياء 61: 1-2 a). ينقّي الخلاص الشخص لدرجة أن "الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ" (رومية 6: 14). الخلاص هو حركة من الخطيئة إلى التمثل بالمسيح، من عبودية الخطيئة إلى الحرّية الحقيقية في المسيح، من الظلام إلى لنور، من الكذب إلى الحقيقة، من اليأس إلى الرجاء، ومن الموت إلى الحياة. وبعد ذلك، هو حركة من حقيقة إلى حقيقة أعظم، من حكمة إلى حكمة أكبر، من بهجة إلى بهجة أعمق، من فهم إلى فهم أعمق، ومن محبّة شاملة إلى محبّة شاملة أقوى.
في إبن الله المُتجسّد، يصبح المؤمن إبن الله الآب بالتبني بنعمة الروح القدس: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ (المسيح) فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يوحنا 1: 12). يدرك المؤمن هبة التبنّى بالروح القدس: "لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً لِلْخَوْفِ بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ!». اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ. فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ" (رومية 8: 14-17). السيد المسيح، إبن الله المُتجسّد، يعلن الله الأبّ إلينا ويدعونا لمحبّته كأبا لنا: "اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يوحنا 1: 18؛ العبرانيين 1: 3). المؤمن مدعو للمشاركة في المحبّة الإلهية وحياة الشركة الكاملة للثالوث الأقدس، مُحتفِظا بشخصيته، إلى الأبد. باعتباره ابنا بالتبني، يشارك المؤمن في الطبيعة الإلهية حيث يحصل على نور الله غير المخلوق ومحبته (بطرس الثانية 1: 4).
فداء المسيح أزال الحاجز الهائل الذي أقامته الخطيئة بين الإنسان والله (مَتَّى 27: 51)، وألغى سمة العقوبة لنتائج الخطيئة الأصلية. معاناة الآلام المختلفة في حياة المؤمن الناتجة من سقوط آدم، تُعلم أبناء الله ضبط النفس، تقوّيهم في أعمال الخير، وتجعل مجد الله يتجلى في حياة المؤمن. كما أن فداء المسيح يهب تقوية النعمة الإهية بالروح القدس: "لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً هَكَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَاراً" (رومية 5: 19).
تجسّد إبن الله وحياته وعمله على الأرض وموته وقيامته أدّى إلى إزالة عدّة عقبات أبعدت الإنسان عن الله. كما أنه أعطى وسائل تغيير وتقديس الإنسان. أزال السيد المسيح الحواجز الثلاثة التي تفصل الإنسان عن الله: حاجز الطبيعة بواسطة تجسده، وحاجز الخطيئة بموته الكفاري على الصليب، وحاجز الموت بقيامته:
1. تم إزالة الحاجز الفاصل بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، لأنه قد تم إتحاد الطبيعتين بدون اختلاط وبدون امتزاج بينهما في شخص السيد المسيح. أدى هذا إلى تقديس الطبيعة البشرية في السيد المسيح. السيد المسيح، أول ثمرة لمادتنا البشرية تمتلك ملء النعمة الإلهية، يعطي حياة وعدم فساد ونقاوة للذين يتبعونه، عندما تتخلل طاقاته الإلهية طبيعتهم البشرية. يشبه ذلك سيفا من الصلب موضوعا في النار حتى يتوهج من لهبها. لا تتحول مادة السيف، التي تمثل الطبيعة البشرية، إلى نار وتظل صلبا، بينما تحصل على خواص النار، التي تمثل الطاقات الإلهية. يتم تقديس أتباع المسيح الحقيقيين، ليس بحسب الطبيعة والبنوة مثل السيد المسيح، ولكن بالنعمة والتبني الإلهي.
2. الموت الجسدي للسيد المسيح، الإله المُتجسد، على الصليب
أزال عقبة الخطيئة بين الإنسان والله، ولهذا بدأ الإنسان يشترك في الطبيعة
الإلهية (2 بطرس 1: 4) بواسطة:
أ. التوفيق بين عدل/قداسة الله ورحمته/ومحبته.
ب. التكفير عن خطايا المؤمنين التائبين، وتحريرهم من عبودية الخطيئة. لن يتم دينونة الخطايا المغفورة في الدينونة العامة في اليوم الأخير (إشعياء 43: 25؛ إرميا 31: 34؛ حزقيال 18: 22).
3. بعد موته الكفاري على الصليب، فتح السيد المسيح أبواب الفردوس الدهرية
التي أغلقت بعد سقوط آدم وحواء، ونزل إلى الهاوية ليتم
مهاما هامة:
أ. أعلن السيد المسيح لنفوس البشر الذين ماتوا قبل موته الكفاري على الصليب تقييد وربط القوي الشيطانية (متي 12: 28، 29؛ لوقا 10: 17، 18؛ يوحنا 12: 31، 32؛ كُولُوسِّي 2: 15؛ رؤيا 20: 1-3). على الرغم من ذلك، ليس الشيطان هامدا (أعمال 5: 3؛ كُورِنْثُوسَ الأُولَى 5: 5؛ أَفَسُس 6: 11). لكنه لا يستطيع أن يخدع الكنيسة؛ ولا يستطيع أن يمنع التبشير بإنجيل السيد المسيح للأمم.
ب. حرر السيد المسيح نفوس الصالحين الراقدين الذين آمنوا به، وأخذهم من الهاوية إلى الفردوس الذي فتحه لهم (بُطْرُسَ الأُولَى 3: 18-20؛ زَكَرِيَّا 9: 11؛ رُؤْيَا 1: 18).
ج. حطم السيد المسيح مملكة الشيطان. يذهب كل المؤمنين اللذين
يموتون في المسيح مباشرة إلى الفردوس (مملكة السموات) حيث يمكثون معه:
"فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ﭐلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ
الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ»" (لُوقَا 23: 43؛ كُورِنْثُوس
الثَّانِيَةُ 5: 8؛ فِيلِبِّي 1: 23؛ رُؤْيَا 6: 9).
4. كسرت قيامة السيد المسيح شوكة الموت الناتج عن الخطيئة، وحوّلت الموت الجسدي إلى جسر للعبور إلى حياة أعلى في السماء للمؤمنين بالمسيح. بدون القيامة، فإن المصير النهائي للإنسان هو مجرد جثة مدفونة في تراب الأرض. سيقوم المؤمنون الذين ساروا مع المسيح على الأرض في مجده في أجساد روحانية ليست قابلة للموت والفساد ليختبروا ملء حياته ونعمته التي تجددهم وتقدسهم (كورنثوس الأولى 15: 35-36). لهذا السبب لا يخشون الاستشهاد والموت. بينما سيقوم غير المؤمنين كمخلوقات لله ليواجهوا دينونته الأبدية. قيامة المسيح هي إنتصار الحياة على الموت. وهي الضمان الرئيسي لقيامتنا من الموت الجسدي: "وَلَكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ هَكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ" (كورنثوس الأولى 15: 20، 22)؛ "وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ!" (كورنثوس الأولى 15: 17). بالإضافة إلى ذلك، بقيامة المسيح من بين الأموات، قد أعلن الله أنه قد قبل تضحية المسيح الكفارية على الصليب، وأكد لاهوت المسيح. إن قيامة المسيح هي الإثبات النهائي للاهوته (رومية 1: 4).
لقد غيرت قيامة المسيح حياة تلاميذه تماما. كانوا قد فروا عند اعتقاله ومحاكمته خوفا على حياتهم (يوحنا 20: 19). لكنهم أصبحوا لا يخافوا الموت للتبشير بالمسيح بعد قيامته ورؤيته والتحدث معه عندما ظهر لهم العديد من المرات. مثلا، قد أنكره بطرس ثلاث مرات أمام خادمات وغيرهن. ولكنه تغير تماما بعد قيامته. إذ بشر بحرارة بإنجيل المسيح آلافا من الناس بجرئة وشجاعة. ونتيجة لذلك، قبل نحو ثلاثة آلاف شخص المسيح في يوم واحد (أعمال 2: 41). ظهر يسوع أيضا للذين لم يؤمنون به، مما أدى إلى إيمان بعضهم (على سبيل المثال: بولس، ويعقوب، الخ--كورنثوس الأولى 15: 7-8). ولقد استشهد كل من بولس يعقوب لتبشيرهم بإنجيل المسيح.
5. يتحد المؤمن بالمسيح بطاعة تعاليمه والتمثل بحياته الصالحة المقدّسة على الأرض في حياة شركة معه. إنّ تضحية يسوع المسيح الكفاريّة على الصليب هي المثال الأعلى للمحبّة المُضحية الحقيقية. تكشف هذه التضحية عن محبّة الله للخطاة، وطاعة يسوع الكاملة لإرادة الله الآب (لوقا 22: 42). يؤدي هذا إلى محبة الخاطئ للرب وتوبته.
هكذا، قد أكمل السيد المسيح العمل اللازم لتجديد وخلاص البشرية، وقدمه مجانا للجميع: "اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ (المسيح) لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ" (يوحنا 3: 36)؛ "وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ" (أعمال 4: 12).
(ج) لماذا ينبغي التكفير عن الخطايا؟
التوبة وحدها غير كافية للحصول على مغفرة الله. إفترض أن هناك قانونا ضدّ السرقة يتطلب عقوبة معيّنة للصّ، لكن العقوبة لم تُنفذ. ينتج عن هذا إبطال مفعول ذلك القانون الذي يصبح عديم الفائدة. الله لا يغفر الخطايا بطريقة عشوائية بدون أساس عادل لمغفرته. يجب إرضاء عدل الله. مغفرة الله تتطلّب توبة حقيقية مصحوبة بتضحية كفارية تأخذ عقوبة خطيئة التائب، لأن مغفرة بدون عقاب تؤدي إلى إبطال الشريعة الإلهية الأخلاقية، مما يقود إلى فوضى أخلاقية. نظام الله وحُكمِه الأخلاقي للكون لا يمكن أن يستمر إذا لم يُعاقب العصيان: "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ" (رومية 6: 23a )؛ "اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ" (حزقيال 18: 4 b، a 20). يضعف الانسجام الأخلاقي للكون إذا لم ينال الأشرار عقابهم العادل. العدالة التي تُمارس بلا رحمة تفشل في التعبير عن محبة الله. والرحمة التي تُمارس بدون عدالة تقوض النظام الأخلاقي.
تُعلم المسيحية أن أي خطيئة يرتكبها الإنسان هي إساءة لانهائية ضد الله الانهائي، ولذلك يجب أن يكون حكمها عقوبة لانهائية. أعمال الخير (طاعة الله) هي دنيويه ومحدودة، ومطلوبة من الإنسان. انها ليست معروفا وجميلا يقدمه الإنسان لله. إنها لا تكفي لدفع ثمن خطايا الإنسان. لذلك، فإنّ فكرة ميزان للدينونة يزن الأعمال الصالحة للشخص ضدّ أعماله الشريّرة هي فكرة خاطئة. إذا كانت دينونة الله مؤسسة على عدله فقط، ما خلصت نفس بشرية في الأبدية (رومية 3: 10). الأعمال الصالحة لا تغطي، ولا تعوض عن، الأعمال السيئة، تماما مثلما لا تزيل الأعمال الصالحة ذنب القاتل. أعمال صالحة عديدة مختلطة مع أعمال سيئة مثل عجة البيض التي تحتوي على بيض جيد وبيض فاسد. لا يمكن لأحد أن يأكل هذه العجة. كما أنه لا يمكن لأحد قبول كأس ماء إذا أُضيفت إليه قطرة حبر. لا يمكن للأيدي القذرة أن تنظف نفسها. الحسنات لا تعوض عن السيئات. الحسنات لا تمحو السيئات لا في القوانين البشرية ولا في قوانين الله. لا يمكن للإنسان أن يلغي خطايا ارتكبها في الماضي.
يقرر القانون ما هو صواب وما هو خطأ، ولكن لا يمكنه تغيير وتنقية الشخص داخليا وجعله صالحا. هو ببساطة المعيار الذي يُستخدم للحكم على الشخص (غلاطية 5: 4). الإله الحقيقي القدوس لا يقبل حياة ملوثة بالخطيئة. الأعمال الصالحة لا تكسب الخلاص الأبدي. الأعمال الصالحة لا تشفي الشخص من مرض الخطيئة. الأعمال الصالحة لا تؤدّي إلى تغيير داخلي يُطهر ويرفع الطبيعة البشرية الساقطة. الأعمال الصالحة في حد ذاتها عاجزة عن عبور الهوة العظيمة التي تفصل بين البشرية الساقطة والإله الأقدس. لذا، لا تستطيع الأعمال الصالحة أن تؤدي إلى حياة الشركة بين الرب الإله والإنسان: "لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذاً مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ" (غلاطية 2: 21). "قَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا" (إِشَعْيَاءَ 64: 6). "...بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا" (غَلاَطِيَّةَ 2: 16). "مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي الْكُلِّ" (يَعْقُوبَ 2: 10).
إذا لم يستطع رجل أن يدفع ديونه الضخمة، يحكم القاضي بوجوب حبسه حتى يدفع ديونه. لكن يشعر القاضي بالرحمة والمحبة تجاه هذا الرجل لأنه ابنه. لذلك، يخلع رداءه الأسود الذي يرتديه في قاعة المحكمة، ويذهب ويدفع كامل ديون هذا الرجل الذي يقبل عمله الرحوم بامتنان وشكر. يؤدي ذلك إلى إطلاق سراح المسجون لأنه قد تم دفع ديونه بالكامل، واستوفت العدالة حقها. فينال حريته.
أخذ السيد المسيح مكاننا ودفع عقوبة خطايانا عندما تألم ومات لأجلنا على الصليب آخذا مكاننا ليرضي عدل الله، كأنّ كلّ تائب قد مات بسبب خطاياه: "الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ..." (تيموثاوس الأولى 2: 6؛ مرقس 10: 45؛ بطرس الأولى 3: 18)؛ "وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ" (1 يوحنا 1: 7)؛ "فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ" (رومية 5: 9). المسيح هو الذبيحة الكفارية التي صالحت البشرية مع الله. يزيل موت السيد المسيح التعويضي المانع للمغفرة الإلهية لأنه أخذ عقوبة خطايانا عوضا عنا. بآلامه نُشفي من مرض الخطيئة، ونحصل على مغفرة الخطايا. مغفرة الخطايا هي إصلاح علاقة متدهورة بين الله والتائب. إنها مغفرة باهظة الثمن إذ تستلزم التكفير الذي قدمه السيد المسيح على الصليب. إذا تاب الخاطئ وقبل تكفير السيد المسيح عنه بإيمان حقيقي، ينتقل ذنبه إلى حساب السيد المسيح الذي أخذ عقوبته العادلة على الصليب.
التكفير هو عمل الحب الإلهي في المسيح التي ضحي بحياته لخلاص البشرية (يوحنا 13: 1؛ 15: 13). التضحية الكفارية للمسيح على الصليب تطهر ضمير الإنسان من الخطيئة ودنسها. "فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!" (عبرانيين 9: 14؛ يوحنا الأولى 1: 7).
( د) الحصول على هدية التكفير المجّانية والاستفادة منها
إذا قُدّمت هدية إلى شخص، لن يتمتّع هذا الشخص بفوائدها مالم يقبلها أوّلا، ويأخذها ويمتلكها لنفسه. لن يستفيد منها إذا رفضها، لأنها ستبقى مع الذي قدمها له. على نفس النمط، لكي يتمتّع شخص بمنافع هدية الفداء المجّانية التي يقدمها له المسيح: "مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رومية 3: 24)، ينبغي أن يقبلها أولا. لكي يخلص الشخص من هلاك الخطيئة الأبدي، لابد أولا أن يُدرك بُعده وغربته عن الله بسبب الخطيئة، وأن يدرك أنه غير قادر أن يصحح موقفه مع الله بجهده الذاتي. بعد ذلك ينبغي أن يقبل هذا الشخص ذبيحة المسيح الكفّارية نيابة عنه، ويسلم حياته إلى سيادة المسيح. قبول هديةالفداء الكفاري المجّانية للمسيح يتم بوسطة الإيمان المصحوب بالتوبة في السيد المسيح كربه ومخلصه الشخصي. التوبة وحدها لا تغير الطبيعة البشرية الفاسدة. يسلم المؤمن نفسه للمسيح بالإيمان المصحوب بالتوبة، والمسيح يُغير طبيعته ويُقدسها تدريجيا خلال الروح القدس: "هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي" (رؤيا 3: 20)؛ "لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا" (أعمال 10: 43). إنّ باب قلب الإنسان مغلق من الداخل. لذا، ينبغي أن يستجيب الشخص لقرع السيد المسيح بفتح باب قلبه من الداخل. قوة نعمة الله بالروح القدس تُعطي الشخص المقدرة على فتح باب قلبه ليدع الضوء الإلهي الباهر الغير مخلوق يُنير ظلام حياته.
رغم أنّ الله يريد أن كلّ شخص يخلص: "ألَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (تيموثاوس الأولى 2: 4)، وينمو في حياة الشركة معه، هو لا يُجبر أو يُرغم أي واحد ضدّ إرادته الحرّة على قبول هدية الفداء المجّانية: "وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجاً" (يوجنا 6: 37 b)، لأن هذا لا يتفق مع طبيعته الإلهية. النعمة الإلهية والإرادة الحرّة للشخص يعملان معا بانسجام في تعاون كامل للحصول على هدية التكفير للشخص. تبدأ النعمة الإلهية عمل الخلاص في الشخص بدعوته وحثّه من خلال الروح القدس للإله الحيّ لقبول ذبيحة المسيح الكفّارية التعويضية بواسطة: "الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ" (غلاطية 5: 6 b)؛ "فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ" (كورنثوس الأولى 3: 9 a)؛ "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اَللهِ" (أفسس 2: 8)؛ "اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ" (يوحنا 3: 36)؛ "فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ" (رومية 5: 9). تتبع المعمودية قبول هدية الكفارة المجانية للمسيح بالإيمان التائب. تجعل المعمودية الشخص يتحد بالمسيح، وتبرره، وتجدده داخليا.
( ه ) رموز لإيضاح الذبائح التعويضية
تتنبّأت كتب العهد القديم (التوراة، إلخ) عن ذبيحة المسيح الكفاريّة، وتوضّحُها وتعلّمها كتب العهد الجديد (الإنجيل، إلخ).
1. تضحية إبن إبراهيم
حوالي 2000 سنة قبل المسيح، إختبر الرب إيمان إبراهيم بأن طلب منه أن يقدم إبنه الوحيد من زوجته سارة ذبيحة للرب على جبل: "فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ»" (تكوين 22: 2). كان تقديم إبن إبراهيم الوحيد كذبيحة رمزا لذبيحة المسيح، إبن الله الآب الوحيد، لخلاص البشرية. بعد أن طلب الله من إبراهيم أن يضحي بابنه على جبل مريا بحوالي 2000 سنة، ضحى الله بإبنه، المسيح، الذي صُلب على نفس جبل موريا. كما حمل إبن إبراهيم خشب ذبيحة المُحرقة إلى مكان تقديم الذبيحة، حمل السيد المسيح خشب صليبه إلى مكان الصلب: "فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ابْنِهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعاً" (تكوين 22: 6)؛ "فَخَرَجَ (يسوع المسيح) وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ «جُلْجُثَةُ»" (يوحنا 19: 17). أمر ملاك الرب إبراهيم أن يُطلق إبنه ويقدم عوضا عنه كبشا كذبيحة بديلة في مكانه لفدائه. كما أن إسحاق، إبن إبراهيم، خرج من هذه التجربة حيّا، قام السيد المسيح من الموت وعاد حيّا.
2. حمل الفصح
إستعبد فرعون بني إسرائيل في أرض مصر لمدة 430 سنة (خروج 12: 40-41). أراد الله تحريرهم من ظلم وعبودية فرعون (خروج 3: 9-10). رفض فرعون السماح لهم بمغادرة أرض مصر لأنهم زوّدوه بأيد عاملة رخيصة (خروج 5: 1-9). لذا، ضرب الرب أرض مصر بعشرة ضربات. آخر ضربة كانت قتلَ كل أبكار أرض مصر (خروج 11: 4-7). لحماية أبكار بني إسرائيل، أمرهم الله أن تقدم كلّ عائلة حملا كذبيحة (حمل أول فصح) بدلاً من البكر ليفديهم: "وَيَأْخُذُونَ مِنَ الدَّمِ وَيَجْعَلُونَهُ عَلَى الْقَائِمَتَيْنِ وَالْعَتَبَةِ الْعُلْيَا فِي الْبُيُوتِ الَّتِي يَأْكُلُونَهُ فِيهَا. فَإِنِّي أَجْتَازُ فِي أَرْضِ مِصْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَأَضْرِبُ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَأَصْنَعُ أَحْكَاماً بِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا الرَّبُّ. وَيَكُونُ لَكُمُ الدَّمُ عَلاَمَةً عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَةٌ لِلْهَلاَكِ حِينَ أَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ" (خروج 12: 7، 12-13؛ 13: 13). كان نتيجة قتل أبكار مصر أن سمح فرعون بمغادرة بني إسرائيل لأرض مصر (خروج 12: 31-36). حدث هذا أكثر من 1400 سنة قبل السيد المسيح. مرّوا من العبودية إلى الحرّية خلال البحر الأحمر (خروج 14). تنبّأ هذا بعبور المؤمن بالمسيح من عبودية الخطيئة إلى ملكوت الله خلال مياه المعمودية.
أشار حمل الفصح إلى السيد المسيح الذي مات على الصليب في يوم تضحية حمل الفصح. "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يوحنا 1: 29 b). وضع دم حمل الفصح، الذي كان بلا عيب، على قائمتين وعتبة باب كل بيت لبني إسرائيل يشير إلى ضرورة قبول الشخص لكفارة المسيح، الذي كان نقيا بدون خطية، وأيمانه بها لكي تخلص نفسه. كما حمى دمّ حمل الفصح من الدمار والموت الجسدي، دمّ السيد المسيح، حمل الفصح الحقيقي، يخلص أولئك الذين يؤمنون بالمسيح كربهم ومخلّصهم الشخصي من الإنفصال عن الله والهلاك الأبدي: "لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا" (كورنثوس الأولى 5: 7 b)؛ "فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!" (العبرانيين 9: 14).
3. نظام الذبائح الحيوانية في التوراة
"وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيباً يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!" (العبرانيين 9: 22)؛ "لأَنَّ نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ" (لاويين 17: 11). تم تضحية حيوان بريئ للتكفير عن خطايا. أشار أخذ هذا الحيوان لعقوبة الخاطئ إلى أخذ المسيح لعقوبة الخاطئ التائب. "وَيَضَعُ (الخاطئ) يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْمُحْرَقَةِ فَيُرْضَى عَلَيْهِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْهُ" (اللاَّوِيِّينَ 1: 4). يدل هذا على قبول الخاطئ للذبيحة المقدمة عنه وارتباطه بها. يشير هذا إلى اتحاد المؤمن التائب بالمسيح الذي قدم نفسه عوضا عنه كذبيحة خطية. رمز دمّ الحيوان إلى حياته التي تمّ سكبها نيابة عن الذي قدّمه. حياته قُدّمت كبديل لحياة الخاطئ التائب، وبذلك أنقذه من عقاب الموت بسبب خطاياه. نتيجة ذلك، أن الخاطئ الذي قدم الذبيحة الحيوانية، على رجاء كفارة المسيح الكاملة القادمة، واصل المعيشة: "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!" (العبرانيين 9: 13-14). أول رجل قدم ذبيحة حيوانية مقبولة لله كان هابيل الصديق: "وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضاً مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا" (تكوين 4: 4 a ).
أعطى الرب نظام تقديم الذبائح الحيوانية إلى موسى في قوانين التوراة. كتاب اللاويين 1-7 يتحدث عن خمسة أنواع رئيسية من الذبائح. هذه الذبائح تمثّل وترمز إلى سمات مختلفة لتقديم السيد المسيح لِنفسه كذبيحة تكفيرية نيابة عن المؤمنين التائبين: "وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضاً وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَاناً وَذَبِيحَةً لِلَّهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً" (أفسس 5: 2)؛ "هَكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضاً، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ" (العبرانيين 9: 28). المسيح هو "حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يُوحَنَّا 1: 29 b) .تنقسم هذه الذبائح الخمسة إلى نوعين رئيسيين. النوع الأول يُذكّرنا بأن العمل القرباني للسيد المسيح على الصليب نيابة عنا مقبول بالكامل أمام الله الآبّ لمغفرة خطايا المؤمنين. النوع الثاني هي الذبائح التي تعكس منفعة وفوائد تضحية السيد المسيح لؤلئك الذين يقبلونها.
الله لا يتغيّر منذ الأزل إلى الأبد. تلك الذبائح الرمزية، التي كانت تقدم باستمرار علي مدى السنوات، تحققت جميعها في تقديم السيد المسيح لنفسه كذبيحة كفارية لأجلنا.
4. أمثلة من الخليقة
عندما وضّح المسيح لتلاميذه موته الوشيك، قال: "إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ" (يوحنا 12: 24). عندما ينموا نبات جديد، ينتهي الوجود الفردي للبذرة التي قد غُرست. نتيجة لذلك، تخرج حياة جديدة من الأرض وتنتج ثمارا كثيرة في موسمها.
تموت النحلة مباشرة بعد أن تلدغ شخصا يهاجم خليتها لأنها تفقد أحشائها بعد ذلك. تموت لكي تنقذ آخرين في خليتها. هناك العديد من الأمثلة في مملكة الحيوان على التضحية بالنفس لإنقاذ آخرين، خصوصا الصغار. في الواقع، هذ سلوك رفيع ومُشرف للغاية. يضحي البعض بأنفسهم دفاعا عن الأبرياء. يموت الجنود في الدفاع عن وطنهم. هذا هو ما فعله يسوع باختياره الحر. "فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارٍّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضاً أَنْ يَمُوتَ. وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا"(رومية 5: 7-8).
( و) تضحية المسيح لأجل البشر
حبّ الله الغير محدود للبشرية خليقته يتطلّب رحمة للخاطئ التائب: "فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" (يوحنا الأولى 4: 10؛ يوحنا 3: 16). من الناحية الأخرى، تتطلّب القداسة الإلهية الغير محدودة عدالة وعقاب للخاطئ. تضحية السيد المسيح الكفارية على الصليب وفقت بين عدالة الله ورحمته، لأن السيد المسيح أوفى عدل الله حقه عندما أخذ بدلا منّا عقوبتنا العادلة التي نستحقها لخطايانا. وبذلك أنعم الله برحمته على المؤمن التائب. "وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (رومية 5: 8). في المسيح، يصالح الله البشرية لنفسه، ويعيد حياة شركة الإنسان معه بعد إزالة دينونته: "وَلَكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ" (كورنثوس الثانية 5: 18-19)؛ فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتاً فِي الْجَسَدِ وَلَكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ" (بطرس الأولى 3: 18). موت السيد المسيح الكفاري على الصليب هو تعبير عن الحب الإلهي الأبدي العامل في الثالوث الأقدس منذ الأزل.
وعد الله منذ آلاف السنين قبل مجئ المسيح بأن نسل المرأة (المسيح) سيسحق رأس الحية (إبليس) (تَّكْوِينِ 3: 15). حققت تضحية المسيح الكفارية على الصليب في مجيئه الأول هذا الوعد: "لأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ" (1 يُوحَنَّا 3: 8 ب)؛ "وَإِلَهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعاً" (رُومِيَةَ 16: 20 أ). عندما مات يسوع على الصليب بحسب الجسد انْشَقَّ حِجَابُ هَيْكَلِ معبد سليمان بالقدس إِلَى اثْنَيْنِ مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ (مَتَّى 27: 51)، مما أشار بوضوح إلى أن التضحية الكفارية للمسيح قد أزالت الحاجز الذي كان يمنع الإنسان المؤمن من دخول قدس أقداس المعبد حيث كان يتراءى مجد الله: "فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ" (الْعِبْرَانِيِّينَ 10: 19).
حوالي سبعة قرون قبل المسيح تنبّأ إشعياء النبي عن تضحية السيد المسيح من أجل البشرية:
"لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ اللَّهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ" (إشعياء 53: 4-9).
كان في مقدرة وسلطان السيد المسيح، الديان العادل في يوم الدينونة، أن يرفض الصليب. لكنه اختار أن يضحي بنفسه على الصليب طوعا بإرادته الحرّة ليُخلص البشرية من عبودية الخطِية. أعلن انه قد جاء "... لِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (متى 20: 28؛ 26: 28؛ يوحنا 6: 51؛ 10: 11، 15؛ مرقس 10: 45؛ 14: 24). هذا واضح مما حدث عندما ذهبوا ليقبضوا عليه ليلا في البستان. أظهر في البداية قوته الإلهية بمنعهم من الاقتراب منه: "فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ» رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ" (يوحنا 18: 4-6). بعد ذلك، اختار أن يحجب قوته الإلهية، وسمح لهم بالاقتراب منه. عند ذلك، "إِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟" (مَتَّى 26: 51-54). كان في مقدرة المسيح أن يدعو جيشا مكونا من 72,000 ملاك من السماء ليعلن مجده الإلهي وليدمر الجنود الذين أتوا ليقبضوا عليه. لكنه اختار ألا يفعل ذلك. قبل الصليب بإرادته الحرة ليخلص البشرية من فساد الخطية. أخذ على نفسه عقابنا الذي نستحقّه لخطايانا لأنه "كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى" (يوحنا 13: 1 b)؛ "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ" (يوحنا 15: 13)؛ "لِهَذَا يُحِبُّنِي الآبُ لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً" (يوحنا 10: 17-18 b)؛ "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ" (كورنثوس الثانية 5: 21)؛ "الَّذِي (المسيح) حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ" (بُطْرُسَ الأُولَى 2: 24). قدموا ليسوع خَلاًّ مَمْزُوجاً بِمَرَارَةٍ (مخدر) لِيَشْرَبَ قبل صلبه لتخفيف آلامه. رفض يسوع أن يشربه (متى 27: 34)، لأنه أراد أن يكون واعيا تماما حتى موته المؤلم.
الخطيئة هي إهانة ومخالفة تُرتكب ضدّ الله. مدى التعدّي يُقاس بمرتبة الشخص الذي وُجّهت ضده الإهانة. إهانة أو مخالفة أرتكِبت ضدّ ملك أرضي أكثر جدّية وعقابها أشد بكثير من إهانة أو مُخالفة أرتكِبت ضدّ رجل مجهول فقير. على نفس النمط، إهانة أو مخالفة ضدّ الإله الأبدي القوي اللانهائي للكون هي إسائة لانهائية تتطلّب عقابا لانهائيا لأنها تهين الكرامة الخارجية اللانهائية لله، التي تنعكس في كمال الخليقة كما شاء الله لها أن تكون. الخطيئة تشوه وتعرقل إنسجام نظام الخليقة. لذلك لا يستطيع مخلوق محدود أن يكفر عن خطايا أرتكبت في عصيان على الله اللانهائي. التكفير اللانهائي يُمكن أن يُقدم فقط بواسطة كائن لا نهائي في المجد: الله اللانهائي؛ وهذا الكائن لابد أن يكون في نفس الوقت إنسانا كاملا لكي يمثّل الجنس البشري (اشعياء 43: 11).
ثلاثة شروط أهّلت السيد المسيح أن يكون التضحية المقبولة لفداء البشرية:
(1) برائته وطهارته الكاملة. إذ أنه مولود بدون الخطية الجدية لأنه مولود بالروح القدس للإله الحي، ليس برجل. منع الروح القدس فساد طبيعته البشرية (لوقا 1: 35). "بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ" (العبرانيين 4: 15 b؛ 7: 26؛ بطرس الأولى 2: 22؛ كورنثوس الثانية 5: 21؛ يوحنا الأولى 3: 5)؛
(2) إنسانيته الكاملة حتى يمثل الجنس البشري؛
(3) ألوهيته الكاملة كإبن الله القادر على تقديم كفارة لانهائية حتى يخلق الشروط الملائمة لخلاص البشرية وتجديدها. بسبب لاهوت بنوّته لله الآب، تضحيته لها قيمة لانهائية، مما يجعلها كافية تماما نيابة عن البشرية في كل العصور لأجل خلاصها (يوحنا الأولى 2: 2).
من المهم توضيح أن الذي تعرّض للإذلال والمعاناة والموت في السيد المسيح كانت طبيعته البشرية المتّحدة بطبيعته الإلهية بدون إختلاط ولا تغيير. الطبيعة الإلهية لم تتأثّر بالآلام الجسدية للسيد المسيح وموته. السيد المسيح قابل للمعاناة والآلام الجسدية والموت في طبيعته البشرية؛ ولكنه غير قابل للمعاناة والآلام الجسدية والموت في طبيعته الإلهية. يشبه هذا تشويه قضيب حديدي ساخن بطرقِه. بينما يعاني القضيب الحديدي، الذي يمثل الطبيعة البشرية، من التشويه؛ النار بداخل القضيب الحديدي، التي تمثل الطبيعة الإلهية، لا تتأثر إطلاقا بالطرق وتبقى سليمة صحيحة. وأيضا، يشبه هذا زهرية زجاجية فارغة مليئة بالهواء فقط. تمثل الزهرية الطبيعة البشرية. يمثل الهواء الطبيعة الإلهية. الهواء داخل الزهرية له شكل. لكنه مطابق للهواء خارج الزهرية. إذا حطمنا الزهرية بالحائط إلى ألف قطعة، لا يتأثر هوائها على الإطلاق إلا أنه يفقد شكله.
قد يكون من الصعب على البعض قبول أن الرب الإله خالق الكل يتنازل ليتخذ دور خادم. في الواقع، الله هو الذي يعول. انه يعتني بالبشرية والحيوانات. بصفته المُعيل الإلهي، الرب الإله هو الخادم الذي يخدم مخلوقاته بدلا من أن يتلقى خدمات منهم (أعمال 17 : 25). لا يستطيع مخلوق أن يقوم بعمل العناية الإلهية. على الرغم من أن الله يهتم بمخلوقاته بدون مساعدتهم، إنه يمنح مختاريه من الملائكة والبشر فرصة العمل معه (كورنثس الثانية 1: 6). كما أن الخلق والعول يخص الله، فداء وخلاص خليقته من الفساد الحالي يخصه أيضا (مزمور 3: 8؛ إشعياء 47: 2-22؛ يعقوب 4: 12). يشارك كلمة (ابن) الله في خلق وعول العالم وفي خلاصه ( يوحنا 1: 3، 3: 16؛ العبرانيين 1: 3). كان السيد المسيح هو الخادم المعاني المتألم. "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ (المسيح) أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (مرقس 10: 45). المسيح هو خادم الله، والملك الأبدي الذي إختاره الله (فيلبي 2: 6-11). إنه يجلب المجد إلى الله، ويمجده الله.
رغم أنّ تكفير المسيح الكافي مُقدّم عن كلّ البشرية في كافة العصور: "الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ" (تيموثاوس الأولى 2: 6a )؛ "هَكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضاً، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ. فَبِهَذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَأَمَّا هَذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ" (العبرانيين 9: 28؛ 7: 24-28؛ 10: 10، 12؛ رؤيا 1: 5)؛ إلا أنه هو فعّال فقط لأولئك الذين يستجيبون إيجابيا إليه ويقبلونه بالإيمان العامل التائب في المسيح: "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 3: 16).
بدأ الله العهد القديم مع البشرية بالناموس الذي أعطاه لموسى النبي في التوراة: "وَأَخَذَ مُوسَى الدَّمَ وَرَشَّ عَلَى الشَّعْبِ وَقَالَ: «هُوَذَا دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ الرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الأَقْوَالِ»" (خروج 24: 8)؛ "فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ" (خروج 19: 5). كما أقرت ذبيحة حيوان قدمها موسى النبي في سيناء العهد القديم، أقرت تضحية السيد المسيح الكفارية العهد الجديد للنعمة بين الله والبشرية، كما تنبّأ إرميا النبي قبل المسيح بحوالي 600 سنة: "بَلْ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيل (يرمز للكنيسة) بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً" (إرميا 31: 33؛ العبرانيين 8: 7-13)؛ "وَأُعْطِيكُمْ قَلْباً جَدِيداً، وَأَجْعَلُ رُوحاً جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي وَتَحْفَظُونَ أَحْكَـامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا" (حِزْقِيَالَ 36: 26-27)؛ "لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا" (يوحنا 1: 17)؛ "وَأَخَذَ (المسيح) الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «إشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ لأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هَذَا إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيداً فِي مَلَكُوتِ أَبِي»" (متى 26: 27-29؛ العبرانيين 9: 15-22؛ إلخ).
في العهد الجديد، يمتلئ المؤمن بالروح القدس للإله الحيّ، الذي يقوّيه في الإيمان بالمسيح، ويقدّسه تدريجيا في حياة الشركة مع المسيح: "يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً. وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضاً وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ" (أعمال 2: 17-18؛ يوئيل 2: 28-29)؛ "ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ" (كورنثوس الثانية 3: 3).
( ز) الأدلة التاريخية لصلب يسوع الناصري
بالعهد القديم للكتاب المقدس (التوراة، إلخ) نبوءات عن موت السيد المسيح (إشعياء 53: 5-10؛ مزامير 22: 16؛ دانيال 9: 26؛ زكريا 12: 10)، وقيامته (مزامير 16: 10؛ أشعياء 26: 19؛ دانيال 12: 2). كما أعلن يسوع مرات عديدة أنه سيُقتل ثم يقوم من بين الأموات بعد ثلاثة أيام: "... قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ﭐبْنُ الإِنْسَانِ (المسيح) سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». فَحَزِنُوا جِدّاً" (متى 17: 22-23؛ 12: 40؛ يوحنا 2: 19-21؛ 10: 10-11؛ مرقس 8: 31). بالإضافة إلى ذلك، أكد الكتاب المسيحيون في القرن الأول والثاني، مثل بوليكاربوس (70-156 م)، اغناطيوس (30-107 م)، جستن الشهيد (ت. 165 م)، إلخ، موته وقيامته.
تروي الأناجيل الأربعة بوضوح الأحداث التاريخية لصلب يسوع الناصري. يخبروننا أن صلب يسوع كان حدثا عاما شاهده مؤمنون وغير مؤمنين على حد سواء. كان القديس يوحنا الرسول واقفا بجوار الصليب (يوحنا 19 : 26). بالإضافة إلى ذلك، كان مؤمنون أخرون من أتباع المسيح عند الصليب بما في ذلك أمه القديسة مريم العذراء (يوحنا 19 : 26-27)، وغيرها من النساء (لوقا 23: 27، يوحنا 19: 25). ولقد شاهد الجنود الرومان المسئولون عن صلبه ما حدث. ولقد رأى شود عيان آخرون صلبه بما في ذلك اللصان الذان صلبا بجواره (متى 27: 38)، وجمع غفير من الناس (متى 27: 39، لوقا 23: 27)، و قادة اليهود (متى 27: 41) الذين كرهوه للغاية وأرادوا التأكد من موته.
تعرض يسوع للجلد الروماني القاسي قبل صلبه (متى 27: 26؛ مرقس 15: 15؛ يوحنا 19: 1). استخدم الرومان سوطا من الجلد المضفر منسوجة فيه كرات معدنية وقطع من العظام الحادة. كان يؤدي إلى تمزيق الجلد والنزيف المفرط. بعد قليل من الجلدات على الظهر، بدأ جلد الضحية وعضلاته يتمزقوا إلى شرائط. بعد بضع جلدات أخرى، تصبح العضلات مثل عجينة وتتعرى الشرايين والأوردة. في بعض الأحيان، يلتف السوط حول البطن فيمزق جدار البطن، مما يؤدي إلى إنسكاب أمعاء الضحية إلى الخارج. مات كثير من الناس أثناء هذا الجلد الوحشي. التنفس صعب على الصليب. معلقا على الصليب، يستخدم المصلوب قوته القليلة المتبقية ليرفع جسده بالضغط على المسمار الذي في قدميه حتى يمكنه الزفير. بإمكانه الإستنشاق عندما يتدلى على صليبه. لكنه سيضطر إلى الإرتفاع مرة أخرى على صليبه للزفير مرة أخرى. عندما تنفذ طاقته ولا يستطيع رفع جسده للزفير، يموت مختنقا.
أعلن يسوع موته على الصليب في لحظاته الأخيرة. "وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ" (لوقا 23: 46، يوحنا 19: 30). وقد سمع هذا أولئك الذين وقفوا عند الصليب (لوقا 23: 47-49 ). بالإضافة إلى ذلك، أعلن الجنود الرومان موته (يوحنا 19: 33). ولقد طعن جندي روماني الجانب الأيمن ليسوع بحربة مزقت رئته اليمنى وقلبه للتأكد من موته (يوحنا 19: 34). تأكد الحاكم الروماني بيلاطس من موته قبل التصريح بدفنه (مرقس 15: 44-45). في الواقع، لم ينجو أحد في التاريخ من الموت على صليب روماني. كانت عقوبة الصلب قاسية وحشية جدا لدرجة أن الرومان أعفوا مواطنيهم منها إلا في حالات الخيانة العظمى. يؤكد العلماء المسيحيون وغير المسيحيين بالإجماع تقريبا أن موت يسوع على الصليب هو من حقائق التاريخ المؤكدة.
بالإضافة إلى ذلك، تشهد مصادر أخرى قديمة غير مسيحية (يهودية ورومانية وسامرية) بصلب يسوع كحدث تاريخي:
1. يصف المؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيفوس (37-100م) في جزء 3.3.18 من كتابه عن العصور القديمة لليهود، الذي أتم كتابته في سنة 93-94م، صلب يسوع تحت حكم بيلاطس، الحاكم الروماني في ذلك الوقت.
2. أشار المؤرخ الروماني كورنليوس تاسيتوس (55-120 ميلادية)، من أشهر المؤرخين الرومان في القرن الأول، في كتاباته التاريخية إلى موت السيد المسيح: "كرستوس … قتل بواسطة بيلاطس البنطي والي منطقة اليهودية في عهد الإمبراطور طيبيريوس. لكن رغم قمع الخرافة الخبيثة لفترة من الوقت، إندلعت ثانية، ليس فقط في اليهودية حيث إبتدأت، لكن أيضا في مدينة روما" (حوليات الرومان 15: 44).
3. كتب الفيلسوف مارا بار سرابيون رسالة باللغة السُريانية إلى إبنه سيرابيون في حوالي سنة 74 ميلادية ذاكِرا السيد المسيح "الملك الحكيم لليهود الذين عوقبوا بعدل لقتله."
4. كان لوشيان الساموساطي (125-190 م) من أحد الأدباء اليونانيين المشهورين في العالم القديم. وقد ذكر أن المسيح قد صُلب في فلسطين لأنه أنشأ المسيحية (لوشيان، موت بيريجرينوس، 13.11.1).
5. كتب مؤرخ فلسطيني يدعى تالوث في حوالي عام 52م عن "الظلام الذي صاحب صلب المسيح."
(ح) إستنتاج
السيد المسيح يدعم الحياة المسيحية بالإيمان والمحبة والرجاء. وجوده الحي يقوي الحياة المسيحية. يموت الفرع ويذبل الزهر إذا انفصلا من المسيح الحي. يحدث الخلاص بالاتحاد الروحي مع المسيح الحي. آلام المسيح وموته على الصليب تكفر عن خطايا المؤمن وتؤدي إلى مصالحته مع الله. نزوله المنتصر إلى الهاوية يمكن المؤمن من المشاركة في انتصاره على القوى الشيطانية. قيامته من الأموات تمكن المؤمن من القيام من موت الخطيئة، وتجدده إلى حياة جديدة في المسيح. بصعوده يتقدس المؤمن ويرتفع إلى حضرة الآب السماوي. جلوسه على يمين الآب السماوي، المكان المفضل، يتيح للمؤمن المثول أمام الآب السماوي. جلوسه على يمين الآب هو حقيقة كونية تسمو على الزمان والمكان. انه يشفع للبشر في حضرة الآب السماوي، متوسلا لأجلهم. " ... وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ" (يوحنا الأولى 2: 1؛ رومية 8: 34؛ عبرانيين 7: 25؛ إشعياء 53: 12). في حين أن عمل السيد المسيح على الصليب قد أوفى العدل الإلهي حقه، تستمر شفاعة وبركة المسيح في الحضرة الإلهية وفي وسط كنيسته المباركة.
بدأ هذا العصر بصعود السيد المسيح إلى السماء، بعد أربعين يوما من قيامته من بين الأموات (أعمال الرسل 1: 3، 9). عند صعوده، تُوج ملكا أبديا لن يكون لملكه نهاية (لوقا 1: 32-33). يملك مع الآب والروح القدس في المملكة الروحية السماوية. ملكوت المسيح المباشر ليس من هذا العالم. يتجلى ملكه في حياة المسيحيين المتحدين معه برباط المحبة. مملكته موجودة في الحياة الداخلية للمؤمن. "لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْباً بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ" (رومية 14: 17). كما يتعلق حكمه بالعالم الحاضر، والكنيسة الحالية، ومستقبل التاريخ.
المسيحية هي الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى حياة الشركة مع الإله الحقيقي الحي القدير. قال السيد المسيح : "... أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي"(يوحنا 14: 6). يسوع يحبك. لقد ضحى بنفسه على صليب العار والألم ليخلص نفسك من العذاب الأبدي. وهو يبحث عنك قائلا: "هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي" (رؤيا 3: 20). هل تفتح له باب قلبك اليوم؟ إذا قبلته ودعوته ان يأتي الى قلبك وحياتك كربك ومخلصك، سيغير مجرى حياتك من الداخل إلى الأبد. سيأخذك معه في رحلة مثيرة إلى الحياة الأبدية والنور الإلهي. قال السيد المسيح: "... إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ... سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ" (يوحنا 14: 19، 27). من ناحية أخرى، إذا رفضته أو عاملته على أنه مجرد نبي آخر، تفصل نفسك من الله الحي الحقيقي إلى الأبد، وتسكن في الظلام الخارجي والعذاب الأبدي. يمكنك أن تبدأ حياتك الجديدة مع السيد المسيح الآن بترديد هذه الصلاة القصيرة التي تعبر عن إيمانك الجديد والتزامك أن تسير معه:
ربي الحبيب يسوع المسيح، إني أومن بك كإبن الله الحي، الذي تجسد، وصُلب، ومات، وأقامه الله من بين الأموات. أرجو أن تغفر لي خطاياي. أثق بك تماما لخلاص نفسي. أدعوك إلى قلبي. قدس حياتي كربي ومخلصي الشخصي. إنني أرفض الشيطان وكلّ أعماله. إنني أتحد بك يامسيحي. أومن بك كملِكي وإلهي. إنني أعبد الأبّ والإبن والروح القدس، الثالوث الأقدس، إله واحد في الجوهر وغير منقسم.
في العصور القديمة ، بعد أن أعطى موسى النبي وصايا الله لشعبه، قال لهم: "أُشْهِدُ عَليْكُمُ اليَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ. البَرَكَةَ وَاللعْنَةَ. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لِتَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" (تثنية 30: 19). لعل الإله الحي الحقيقي يهديك لاختيار الحياة على الموت، النور على الظلام، التجديد الروحي على الفساد، الحرية على العبودية، المحبة على الكراهية، والسلام على النزاع؟ السيد المسيح حي في السماء، ويتدخل حسب ما يتطلبه الموقف هنا الآن على وجه الأرض. لبي دعوته لك. إتبع الحي، وليس الميت. الأمر متروك لك.
تلخص هذه الصفحة أساسيات الإيمان المسيحي. مرحبا بك!
سوف تساعدك هذه الصفحة على اتخاذ الخطوة التالية.
للحصول على تفاصيل إضافية، يرجى زيارة الصفحات التالية:
1. المسيحية والإسلام: الخلاص.
1.2. صلب المسيح: مزاعم إسلامية (1).
2.2. صلب المسيح: مزاعم إسلامية (2).
3.الإله الحقيقي.
4. يسوع ومحمد.
5. تعال إلى يسوع.
6. الغفران
لعل نور الحق يُضيء عقلك ويحررك. لعل مجد المسيح يشرق في حياتك ببهائه.