"هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: ارْجِعُوا إِلَيَّ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ فَأَرْجِعَ إِلَيْكُمْ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ" (زكريا 1: 3) . . . . "اُرْدُدْنَا يَا رَبُّ إِلَيْكَ فَنَرْتَدَّ. جَدِّدْ أَيَّامَنَا كَالْقَدِيمِ" (مراثي إرميا 5: 21) . . . . "فَإِذْ نَحْنُ عَامِلُونَ مَعَهُ نَطْلُبُ أَنْ لاَ تَقْبَلُوا نِعْمَةَ اللهِ بَاطِلاً" (كورنثوس الثانية 6: 1) . . . . "فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ بِنَاءُ اللهِ" (كورنثوس الأولى 3: 9)

العمل الإلهي-البشري

أ) يعمل الله مع الإنسان

العمل الإلهي-البشري يؤدي إلى خلاص الإنسانإله التوراة والإنجيل يمتلك قوة كاملة لا نهائية لا تتغير. هو الكلي القدرة (أيوب 42: 2؛ مزمور 32: 9؛ 71: 9؛ مرقس 10: 27؛ لوقا 1: 37؛ متى 19: 26؛ 24: 35؛ الخ). إنه لا يكل أبدا (مزمور 121: 3-4؛ إشعياء 40: 28). يمكنه أن يفعل ما يشاء بدون مساعدة. لكن في العصر الحالي، يسره أن يعمل في شركة مع الإنسان لتحقيق أهدافه في تاريخ الإنسان. هذا التعاون بين قوتين غير متساويتين: القدرة الإلهية اللانهائية والإرادة البشرية المحدودة. "... تَشَدَّدُوا يَا جَمِيعَ شَعْبِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَاعْمَلُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ" (حجي 2: 4). يفعل الله ما لا يستطيع الإنسان أن يفعله، ويترك الباقي للإنسان. لكن، يقوم الله بالجزء الأهم والأعظم من المهمة. يقدم الكتاب المقدس شهادات لهذا المبدأ:

(1) غرس الله جنة عدن (تكوين 2: 8). وأوصى آدم أن يعملها ويحفظها (تكوين 2: 15).

(2) خلق الله حيوانات وطيور الأرض. وقام آدم بتسميتها (تكوين 2: 19-20)، وأعطاه الله السلطان عليها جميعا (تكوين 1: 28).

(3) خلق الله الأرض (تكوين 1: 1). وأمر الإنسان أن يتسلط عليها ويُخضعها (تكوين 1: 28)، أي يكتسب المعرفة ليسود على الأرض وينميها في خدمة الجنس البشري. هذا هو أساس كل الاكتشافات العلمية والتقدم في المعرفة.

(4) قام الله بالعمل مع نوح. أعطى الله نوحا تصميم الفلك، الذي لم يعرفه نوح (تكوين 6: 14-16). وقام نوح بالحصول على مواد البناء وبناء الفلك كما أمره الله.

(5) فرّ بنو إسرائيل من جيش فرعون القوي. وصلوا إلى شواطئ البحر الأحمر. رفع موسى عصاه وبسط يده على البحر كما أمره الرب الإله (خروج 14: 16)؛ "... فَأَجْرَى الرَّبُّ الْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ اللَّيْلِ وَجَعَلَ الْبَحْرَ يَابِسَةً وَانْشَقَّ الْمَاءُ. فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ" (خروج 14: 21-22).

(6) في عام 586 قبل الميلاد، قام الجيش البابلي بنهب وتدمير معبد سليمان في القدس (الملوك الثاني 25: 9؛ أخبار الأيام الثاني 23: 19). تم سبي وترحيل العديد من بني إسرائيل إلى بابل. أراد الله إعادة بناء معبد القدس (المعبد الثاني). من أجل إنجاز ذلك، قام الرب بما يلي:

أ. "... نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ ..." (عزرا 1: 1-2) لقيادة وتسهيل إعادة بناء المعبد. حكم كورش ملك فارس الوثني القدس في ذلك الوقت.
ب. أثار الله قلوب الكثير من بني إسرائيل في المنفى حتى يعودوا إلى القدس لإعادة بناء المعبد (عزرا 1: 5-6).

نتيجة لذلك، عاد الكثير من بني إسرائيل إلى القدس تحت قيادة زربابل، وبدأ بناء المعبد الثاني. لكن توقف البناء لمدة ستة عشر عاما بسبب صعوبات مختلفة نشأت في وقت لاحق. فأرسل الله الأنبياء حجي وزكريا (عزرا 5: 1). استُأنف العمل بإرشادهما حتى تم بناء وتكريس معبد القدس الثاني في عام 516 قبل الميلاد (عزرا 6: 14-17).

(7) في معجزة إطعام خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأطفال (لوقا 9: 12-17)، قدّم فتى خمسة أرغفة شعير واثنين من الأسماك الصغيرة (يوحنا 6: 9 ). أخذ يسوع هذه التقدمة البشرية المتواضعة، وباركها ووزعها تلاميذه على الجمع، فأكل الجميع وشبعوا. وجمعوا الكسر الفاضلة فملأت اثنتي عشرة قفة.

(8) في معجزة إقامة لعازر من بين الأموات (يوحنا 11: 34-44)، فعل يسوع المسيح ما لا يستطيعه البشر بإقامة لعازر بعد أربعة أيام من موته (يوحنا 11: 43-44). ومع ذلك، أصر المسيح على أن يفعل الإنسان ما يستطيعه أولا. فأمرهم برفع الحجر عن فم القبر الذي كان مغارة قبل إقامة الميت (يوحنا 11:39).

(9) القديسة مريم، والدة يسوع، هي المثل الأعظم على التعاون بين الغرض الإلهي وإرادة الإنسان الحرة. كان تجسد ابن الله عمل إلهي-بشري مشترك. بدأه الله بإرسال ملاكه جبرائيل ليعلن غرضه لمريم العذراء. إنتظر موافقتها الطوعية، لأن الله، الذي يحترم دائما إرادة الإنسان الحرة، لم يرغب التجسد بدون موافقة أمه بحسب الجسد. كان في مقدرة القديسة مريم أن ترفض. لكنها اختارت أن تعطي موافقتها بدون تحفظ بحرية كاملة. فقالت للملاك: "... هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ ..." (لوقا 1: 38).

(10) إنجاب طفل هو عمل إلهي-بشري مشترك. يحصل الطفل على جسده البشري بمعالمه الوراثية من أبويه. يعطي الله للطفل النفس العاقلة.

ب) خلاص الإنسان

خلاص النفس البشرية هو عملية إلهية-بشرية تتطلّب تعاون الإرادة البشرية المحدودة مع النعمة الإلهية اللانهائية. قال السيد المسيح: "هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي" (رؤيا 3: 20). يقرع الرب على باب قلب الإنسان. لكنه ينتظر حتى يفتحه الإنسان لاستقباله. نعمة الله تدعو الجميع، ولكنها لا تُجبر أحدا. يقوم الله بالحركة الأولى نحو الإنسان، لأن خلاص النفس مستحيل بإرادة الإنسان وحدها. عمل النعمة الإلهية يسبق قرار وتعاون الإنسان مع نعمة الله. فإنها تُمكن الشخص من استخدام إرادته الحرة التي وهبها الله له في الاختيار الحر بين قبول أو رفض الخلاص الذي تقدمه نعمة الله في المسيح يسوع. قدرة الإرادة البشرية في الأستجابة للنعمة الإلهية، وتقديم القبول الشخصي للخلاص هو في حد ذاته عطية من النعمة الإلهية. "اُرْدُدْنَا يَا رَبُّ إِلَيْكَ فَنَرْتَدَّ. جَدِّدْ أَيَّامَنَا كَالْقَدِيمِ" (مَرَاثِي إِرْمِيَا 5: 21).

قال الرب: "... وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ" (إرميا 31: 3). " هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَئَنَذَا أَسْأَلُ عَنْ غَنَمِي وَأَفْتَقِدُهَا. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، ..." (حزقيال. 34: 11، 16؛ لوقا 15: 4-7). "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ (المسيح) قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (لوقا 19: 10). قال السيد المسيح: "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ" (يوحنا 6: 44). "... تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ" (فيلبي 2: 12-13).

هيأ الله نعمة التكفير في المسيح، وأرسل الروح القدس ليحث، ويرشد، ويشجّع، ويقوي، ويقوم بعمل الله خلال المؤمن المستسلم له: "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي (الروح القدس) الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا (المسيح) إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي" (يوحنا 15: 26). بنعمة الله، يقبل المؤمن المسيح بالإيمان التائب، ويثبت فيه بطاعة كاملة له، ويدع الأعمال الصالحة للروح القدس تتم به. قبول نعمة الله والتعاون معها لا يُكسب الإنسان أي أجر.